حرية التعبير أم التعتيم الإعلامي؟ جدل برلماني حاد حول انتهاك حقوق النواب وتجاوزات دستورية.
في جلسة برلمانية حادة، أثارت النائبة ريم شباط قضايا جوهرية تتعلق بحرية التعبير واحترام المساطر القانونية داخل البرلمان، وذلك من خلال تدخلها بنقطة نظام أثارت جدلاً واسعًا حول مدى التزام المؤسسة التشريعية بالمبادئ الديمقراطية والدستورية.
وقد تناولت في تدخلها قضيتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بحرية التعبير وشفافية النقل الإعلامي للجلسات البرلمانية، والثانية تتصل باحترام الضمانات الدستورية للنواب وعدم تجاوز السلطات المخولة لرئيس مجلس النواب.
حرية التعبير وشفافية النقل الإعلامي:
في مستهل تدخلها، نددت النائبة ريم شباط بما وصفته “مصادرة حقها في البث التلفزي المباشر” خلال جلسة مساءلة رئيس الحكومة.
وأوضحت أنها رفعت لوحة تعبيرية تعكس موقفها السياسي، إلا أن هذه اللوحة لم تظهر في النقل التلفزي الرسمي للجلسة.
واعتبرت أن هذا التصرف يشكل انتهاكًا صريحًا للفصل العاشر من الدستور، الذي يضمن للنواب حرية التعبير والتواصل مع الرأي العام دون رقابة أو تحكم من أي جهة.
هذه الحادثة تطرح تساؤلات عميقة حول مدى نزاهة وشفافية النقل الإعلامي للجلسات البرلمانية، والتي تعد إحدى الركائز الأساسية لتعزيز الثقة بين المؤسسات التشريعية والمواطنين.
فإذا كانت هناك انتقائية في عرض آراء النواب أو تصرفاتهم، فإن ذلك يُضعف من دور البرلمان كمؤسسة تمثل إرادة الشعب وتخضع للمساءلة العامة.
كما أن التعتيم الإعلامي على بعض المواقف قد يُفهم على أنه محاولة لتوجيه الرأي العام أو تقييد حرية التعبير، مما يتعارض مع المبادئ الديمقراطية التي يفترض أن تحكم عمل المؤسسات التشريعية.
احترام الضمانات الدستورية للنواب:
أما القضية الثانية التي أثارتها النائبة، فتتعلق بالقرار الانفرادي لرئيس مجلس النواب بإحالتها مباشرة إلى لجنة الأخلاقيات.
واعتبرت شباط أن هذا الإجراء غير قانوني ويتعارض مع النظام الداخلي للمجلس، الذي ينص على أن مكتب المجلس هو الجهة المخولة بالتداول في مثل هذه القضايا قبل اتخاذ أي قرار تأديبي.
وأشارت إلى أن هذه الإحالة تمثل “شططًا في استعمال السلطة” وخرقًا واضحًا للفصلين 64 و70 من الدستور، اللذين يحددان الضمانات التي يتمتع بها النواب أثناء ممارسة مهامهم.
هذه النقطة تثير تساؤلات حول حدود صلاحيات رئيس مجلس النواب ومدى التزامه بالضوابط الدستورية والقانونية.
فإذا كان رئيس المجلس يتخذ قرارات تأديبية بناءً على تأويلات شخصية للنصوص الدستورية، فإن ذلك يُضعف من استقلالية النواب ويُهدد مبدأ الفصل بين السلطات. كما أن إحالة النواب إلى لجان تأديبية دون اتباع المساطر القانونية المحددة قد يُعتبر انتهاكًا لحقوقهم الدستورية، مما يُضعف من مصداقية المؤسسة التشريعية ككل.
دور المحكمة الدستورية واستقلالية السلطات:
في معرض حديثها، ذكّرت النائبة رئيس المجلس بأن اختصاص الفصل في مدى احترام الدستور يعود حصريًا إلى المحكمة الدستورية، بعد جلالة الملك، باعتباره الضامن لحسن تطبيق أحكام الدستور.
وأكدت أنه ليس من حق أي جهة أخرى أن تتخذ قرارات تأديبية بناءً على تأويلات شخصية للنصوص الدستورية. هذا التذكير يسلط الضوء على أهمية استقلالية القضاء ودوره في حماية الدستور وضمان احترامه من قبل جميع السلطات، بما في ذلك السلطة التشريعية.
موقف وزير الداخلية ودعم استقلالية البرلمان:
في موقف لافت، عبّرت النائبة عن شكرها لوزير الداخلية، معتبرة أنه أعاد الاعتبار للمؤسسة التشريعية بموقفه الداعم لاستقلاليتها.
هذا الموقف يُظهر أهمية تعزيز التوازن بين السلطات واحترام اختصاصات كل مؤسسة دستورية. فإذا كانت السلطة التنفيذية تدعم استقلالية البرلمان، فإن ذلك يُعزز من دور المؤسسة التشريعية في مراقبة عمل الحكومة وضمان شفافيتها.
بناءً على هذه المعطيات، طالبت النائبة ريم شباط رئيس مجلس النواب بتقديم اعتذار رسمي عن التجاوزات التي تعرضت لها، سواء فيما يتعلق بالتعتيم الإعلامي على مداخلتها أو بالإجراءات غير القانونية التي اتخذت في حقها. كما دعت إلى احترام الدستور والمساطر الداخلية للمجلس، حفاظًا على مصداقية البرلمان وضمانًا لحقوق جميع النواب في ممارسة مهامهم دون تضييق أو انتقائية.
هذا الجدل يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزام المؤسسة التشريعية بالمبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها. فإذا كانت الصراعات السياسية الداخلية تؤدي إلى تقييد حرية التعبير أو انتهاك الضمانات الدستورية للنواب، فإن ذلك يُهدد دور البرلمان كمؤسسة تمثل إرادة الأمة وتراقب عمل الحكومة باستقلالية وشفافية.
كما أن هذه الحادثة تذكرنا بأهمية تعزيز آليات الرقابة على عمل المؤسسات التشريعية، بما في ذلك النقل الإعلامي الشفاف للجلسات واحترام الضوابط الدستورية في اتخاذ القرارات التأديبية.
في النهاية، فإن هذه الحادثة تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة لآليات عمل البرلمان، بما يضمن احترام حقوق النواب وشفافية عمل المؤسسة التشريعية، وذلك لتعزيز الثقة بين المواطنين وممثليهم في البرلمان.