صناع الاحتقان و كرههم للشفافية و التواصل

صناع الاحتقان و كرههم للشفافية و التواصل

إدريس الأندلسي 

 

يعيش قاموس السياسة، الفقير أصلا ، أتعس فترات استعماله في بلادنا.

تسلل الملل إلى أحزاب الحكومة و حتى إلى بعض أحزاب المعارضة.

و ظهرت إلى الوجود، في مفهومه الاستعراضي ، خطابات تكاد تجمع على فهم موحد لمفاهيم، أو لنقل كلمات مثل: “ما هو الفساد و أين يوجد”، و “من هم المضاربون و كم عددهم” ، و ” استمرار الدولة الإجتماعية ” و ” نزع الملكية من أجل مصلحة عمومية” و ” هدم أحياء في إطار التراضي” من أجل عاصمة جميلة”. و غابت من المواقف و الخطابات كلمات ” الاحتقان الإجتماعي ” و الشفافية و التواصل مع المواطن” و ” استمرار غياب العدالة الإجتماعية و المجالية”.

 و لا زالت قنوات الإعلام الرسمية و كثير من مشتقاتها ” الخاصة و المستقلة” وفية لنهج طمس النقد البناء و الإيجابي و تفضيل تقديم رأي واحد بدل نهج أسلوب موضوعي في التعاطي مع الحدث عبر صياغة الخبر و التعليق عليه بحرية مسؤولة و موضوعية.

و في البدء و النهاية لا يليق ببلادنا، التي تتميز بمواطنيها المحبين لوطنهم و كل مقدساتهم، أن يتكلم مسؤول عن مشاكل حقيقية كغلاء الأسعار و سوء الولوج إلى العلاجات و يعتبر من يثير انتباه الحكومة إلى قصور عملها مشوشا و باحثا عن ” البوز” و مروجا لأخبار زائفة. و هذا من أسباب الاحتقان.

أصبحت كل أحزاب الأغلبية داخل مضمار السباق من أجل الظفر بمعركة الخطاب حول المضاربين و علاقتهم المباشرة بكل ما أصاب المغاربة في جيوبهم و كل الاعطاب التي لحقت بالمنافسة و ” بقانون العرض و الطلب.

قيل أن عدد المضاربين و المستفيدين من أموال الشعب لاستيراد اللحوم لا يتعدى 18 مضارب.

أما أعداد “الشناقة” في أسواق السمك و الدواجن و الخضر و الفواكه، فتبدو أنها عصية على قدرة أصحاب السلطة و القرار. قيل أن عددهم في مجالات الأدوية و الغازوال و البنزين لا يتجاوز العشرة.

و تزداد أعداد المستشفيات الخاصة التي تعتمد بشكل مهم، في تقديم العلاجات ،على أطر قادمة من المستشفى العمومي .

و تغزو إشهارات هذه المؤسسات قنوات التلفزيون لتبين كثافة تواجدها الجغرافي و تعدد اختصاصاتها، و يتساءل المواطن عن أعداد الأطباء الذي يتناسب فعليا مع عرضها الصحي.

و لا يخفى على الجميع أن العجز الحاصل في الأطباء و الاطر الصحية كبير جدا في بلادنا ، و خصوصا في المستشفى العمومي، و يتجاوز 8000 طبيب و اكثر من 20000 ممرض. و هذا من أسباب الاحتقان.

 ثلاثة أحزاب تشهر في وجه بعضها البعض سلاح سؤال ” أين المضاربين”.

و لا نجد جوابا لديهم.

يريد المواطنون المساهمة في البحث عن هؤلاء ” الجناة ” في حق قدرتهم الشرائية، ولكن الحكومة تعتزم إقفال باب الترافع المجتمعي لفضح الفساد.

قيل أن وزير العدل أقسم أن يحمي كل المنتخبين و يدافع عن الممارسين لمهام تتعلق بالشأن العام.

و لن يتأتى هذا إلا بسد الطريق قانونيا على المجتمع لكي لا يصل إلى القضاء.

يحدث هذا في المغرب الذي أدخل إلى دستوره الحق في ممارسة الديمقراطية التشاركية و شجع على المبادرات المواطنة.

يقسم وزير العدل على أن يقف المجتمع معزولا و مجرد متفرج أمام تفاقم مظاهر الفساد.

جمعيات محاربة الفساد و الحفاظ على المال العام ليست هي من أدخلت عشرات المسؤولين السياسيين إلى السجن. هذه الجمعيات ليست كلها على صواب في مرافعاتها، و لكن ما يقوم به، الكثير منها، يعبر عن إيمان بدور القضاء في بث الثقة في النفوس و حماية المؤسسات بدل حماية أشخاص قد يشتبه في ارتكاب أعمال تدخل في مربع الفساد. و هذا من أسباب الاحتقان.

لقد افرغت هذه الحكومة كثيرا البرامج القطاعية من أهدافها الإستراتيجية.

و استماتت من أجل أن يظل الاحتقان الإجتماعي معيارا لفرض اختياراتها.

تجمد منسوب قدرتها في الإصلاح بسبب رفضها للحوار مع طلبة الطب و الأطباء و كل العاملين بالقطاع و أساتذة التربية الوطنية عبر تنسيقيتاهم و نقاباتهم.

ضاعت شهور من عمر مسار دراسي أو تكويني و غادر وزراء الحكومة بدون محاسبة.

و هذا هو شأن و مآل ” تبليص” من لا تكوين سياسي له و لا تجربة و لا كفاءة مهنية. و يزداد إيقاع كلام أحزاب الحكومة عن المضاربين و الفساد دون أية تدابير عملية تعيد لصندوق الدولة ما تم دفعه لمن تسببوا في حمى الأسعار من منح و امتيازات ضريبية و جمركية. ماذا يمكن فعله أمام إضراب الحكومة عن أداء مهامها قبل أسابيع من دخول قانون الإضراب حيز التنفيذ بعد قبوله من طرف المجلس الدستوري. و هذا من أسباب الاحتقان.

تقف الحكومة و احزابها بعيدة بمسافة كبيرة أمام العوائق المحيط بالتغطية الإجتماعية في ظل مؤشرات تشكك كثيرا من المواطنين في مشروع إستراتيجي. و تقف على مسافة أمام تنفيذ قرارات بالهدم طالت بعض أحياء الواجهة البحرية للعاصمة.

عاشت عائلات كانت تعيش على الهشاشة محنة البحث عن كراء بيت في شهر رمضان و موسم أمطار الخير.

الدولة الإجتماعية هي التي تتواصل و تبحث عن الحلول قبل البدء في الهدم.

لم تعارض ساكنة تلك الأحياء مشروع تغيير الشكل المعماري و العمراني و لكنها كانت تحتاج إلى دعم و زمن كاف لإيواء الأبناء و الأمهات و ذويهم المسنين.

و يعتبر هذا الكلام تشويشا و كذبا لدى من يخلط بين نزع الملكية من أجل توسيع الطرق و هدم لمنازل من أجل أسباب أخرى .

اعتبرت عمدة مدينة الرباط أن تصريح زميلها في المجلس عن اليسار الاشتراكي الموحد غير ذي قيمة، و قالت أنها ” تترفع عن الإجابة “.

لا يدري من أجبر على مغادرة بيته هل هذا ” ترفع” ام ” تكبر”. و هذا من أسباب الاحتقان.

لقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات سياسية استباقية لنزع فتيل الاحتقان.

لقد بنى المغرب بنيات كبرى و لا زالت الدولة ،في أعلى تجلياتها، تفتح الاوراش من أجل أن يتم خلق الثروة مع ضمان توزيع عادل لمكوناتها مجاليا و إجتماعيا.

لهذا و لأسباب تتعلق بضرورة إعطاء مضمون عملي لتخليق الحياة السياسية ، يجب أن يمنع العمل السياسي المتعلق بالجماعات الترابية و البرلمان و عضوية الحكومة على كل مفتقد للتجربة المهنية و الكفاءة الفكرية و الأخلاقية و تقديس خدمة الشأن العام.

“قل لي من أين لك هذا، أقول لك من أنت “.

لدى المجلس الأعلى للحسابات أكبر أرشيف يتكون من تصاريح بالممتلكات لمئات من المسؤولين، من ضمنهم من يوجدون قيد الاعتقال لأسباب تتعلق بالفساد. لقد حان وقت المحاسبة التي تعيد الثقة في النفوس و تبعد الاحتقان الإجتماعي.

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*