الناسخ والمنسوخ في تقرير بان كي مون
عزيز ادمين
صدر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والمقدم أمام مجلس الأمن بخصوص الوضع في الصحراء، في سياق توثر العلاقة بينه وبين المغرب. هذا الأخير اتهمه بعد زيارته للجزائر ومنطقة بئر لحلو، بعدم حياده وانحيازه، مما جعل اثار هذه العلاقة المشنجة تنعكس على مضامين التقرير.
وفي هذا الصدد يمكن تسجيل ملاحظات بخصوص التقرير الأممي:
الناسخ والمنسوخ:
حاول التقرير تبخيس كل جهود المقدمة من قبل المغرب كالمشاريع التنموية والأموال المرصودة لذلك، وأيضاً لخطاب محمد السادس بالعيون، والاستقبال الجماهيري الذي حضي به، والنموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، بالإضافة إلى كل المبادرات والواردة بالفقرة 10، بنسخهاعبر إدراجه لرسالة وصلته من قبل زعيم “البوليزاريو”، يصف كل ذلك بالعمل الاستفزازي.
ونفس الشيء بالنسبة للانتخابات الجماعية التي نظمت في 4 شتنبر 2015، إذ لم يوليها أهمية، في مقابل تضخيمه لمؤتمر “البوليزاريو”وتقديم أرقام وإحصائيات حول عدد المشاركين وجدول أعمال المؤتمر والبلاغ الصادر عنه، عقب انتهاء أشغاله، والذي اتهم المغرب بـ”التعنت”، بل وأعطى نتائج انتخاباته التي زكت عبد العزيز بصفته أمين عاماً، كما ورد ذلك في الفقرة 13 من التقرير، وكأن أمين العام للأمم المتحدة يريد بذلك إضفاء الشرعية الدولية على نتائج هذا المؤتمر.
ونلاحظ أيضاًالتبخيس من المجهود المغربيةفي الباب المخصص للأنشطة الفنية العسكرية والأمنية بالصفحة 10 من التقرير، الذي يتحدث فيه عن مجموعة من الأنشطة والعمليات التي يقوم بها الجيش الملكي المغربي، من أجل ضمان استمرار عمل البعثة والتزاماته بإزالة الألغام والحفاظ على الأمن والاستقرار بالمنطقة بتصديه لشبكات التهريب والإرهاب، حيث يضع في مقابل ذلك كله رسالة وصلته دائماً من زعيم “البوليزاريو” يندد فيها ويحتج على المغربكما ورد ذلك في الفقرة 32.
وعلاقة بالوضع الحقوقي،الذي يقر فيه بكون المغرب اتخذ عدة إجراءات لحماية حقوق الانسان بالمنطقة من خلال لجنتي المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعيون والداخلة، وأيضاً لزيارة ممثلي المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وانفتاح المغرب على نظام الاجراءات الخاصة التابع لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، والمصادقة على البروتوكول الاختيار لمناهضة التعذيب، كذا دمج الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب ضمن ولاية المجلس الوطني لحقوق الانسان، واعترف بكون المغرب استقبل 34943 أجني من 120 بلد يمثلون منظمات حقوق الإنسان وديبلوماسيين وصحافيين، إلا أن كل ذلك يقوم بمحوه بجرة قلم على أساس أن رسالة وصلته مرة أخرى من زعيم “البوليزاريو” تقول بـ”وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” وإدراجه في التقرير مزاعم – هكذا سماه مزاعم لم يتمكن حتى من التأكد من صحتها- تعرض نشطاء لاعتقالات تعسفية ومحاكمات غير عادلة (الفقرة68).
بعد تقديم الأمين العام للصورة السوداء حول الوضع الحقوقي بالمنطقة،يقدم في المقابل صورة وردية بناء على زيارته لمخيمات تندوف، ويعلن أن اللاجئين يتمتعون بحرية التنقل وحرية التعبير والرأي وحرية تأسيس الجمعيات والحق في التظاهر … كما يقلل من مسألة الرق ويعتبرها مجرد مزاعم … إلا أن السيد بان كي مون يسقط سهواً في الفقرة 82 التييتعرف فيها، أنه خلال لقائه بزعيم “البوليزاريو” أثار حالات ثلاث شابات، أفيد عن قيام أسرهن باحتجازهن ضد إرادتهن، مبرزاً أن عبد العزيز وعده بتسوية هذه المشكلة.
التكهنات ما بعد 20 مارس:
يتحدث التقرير عن فترة زمنية ممتدة إلى غاية 31 مارس 2016، ويتوزع على 104 فقرة، وقد خصص لموضوع طلب المغرب للمكون السياسي ببعثة “المينورسو” مغادرة المغرب 15 فقرة وأربع توصيات من أصل 17 توصية، وكلها ملاحظات يتحدث فيها الأمين العام عن توقعاته لولاية ومهام البعثة مستقبلاً، أي خصص 89 فقرة لسنة كاملة و15 فقرة لـ10 أيام، وهي مدة غير كافية لتقييم أثار هذا الانسحاب.
وجل تكهنات الأمين العام، تحاول ربط ضعف المكون السياسي على الأمن والاستقرار بالمنطقة، ويوهم قارئ التقرير أن بعثة “المينورسو” هي من تقوم بحماية العالم من الخطر الإرهابي وهي من تفكك الخلايا الإرهابية.
تجاهل وقائع لها دلالات
الجلسة البرلمانية الاستثنائية: تجاهل تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الجلسة البرلمانية الاستثنائية التي عقدت بتاريخ 12 مارس 2016، والمنددة بتصريحاته أثناء زيارته للجزائر، وهذه الجلسة تعتبر في هرم السلطة المغربية ثالث مؤسسة دستورية وتضم تمثيلية ساكنة الصحراء.
فقلل بان كي مون من أهمية هذه المبادرة في مقابل لا يبخل عن ذكر مضمون أي رسالة من الرسائل العشر التي وصلته من زعيم “البولزاريو”.
المناورة العسكرية: كما تجاهل الأمين العام ذكر المناورة العسكرية بالذخيرة الحية التي قام بها ما يسمى بـ”الجيش الوطني الصحراوي” بتاريخ 29 مارس 2016، بالمنطقة العازلة والمنزوعة السلاح قرب منطقة بئر لحلو، وهي ممارسة خطيرة ومستفزة وتضرب بعرض الحائط جميع تأويلات الاتفاق العسكري رقم 1.
وفي علاقة بالاستفزاز العسكري، فإن أمين العام لم يقف كثيراً عند التصريحات الخطيرة لقيادة جبهة “البولزاريو” والمتعلق بالعودة لحمل السلاح، كما ورد في الفقرة 11، إذ صرح عبد العزيز المراكشي رسمياً أن الجبهة لا تستبعد استئناف النزاع المسلح.
ختاماً:
هذه مجرد ملاحظات ضمن ملاحظات أخرى، استثمر فيها بان كي مون مفردات وتقنيات لصياغة تقرير على مقاس “البوليزاريو”.