سلا.. المدينة الإشاعة
أومن أن سلا “مجرد إشاعة” كمدينة، لأنها تعاني من كل أصناف الفوضى في كل شيء، تكالب عليها سماسرة العقار والإسمنت، فحولوها إلى زحمة في الحياة نهارا وليلا، ويتهاوى إليها تجار الانتخابات من كل الأحزاب السياسية، ينصبون خيامهم، ويضربون وعودا للمواطنين السلاويين، وهي وعود تتحول إلى سحب في السماء.
فطرقات المدينة، تزداد زحمة كل يوم، جراء ارتفاع عددي تصاعدي، لسكان المدينة ولسياراتها، ولارتفاع أثمنة الشقق التي تتصيد من يشتريها، في غياب لأي ضمانات لجودة السكن، وفي ظل استمرار توقيع “تراخيص السكن” مع رشفات القهوة أو الشاي المنعنع في المقاهي، لا يوجد في مدينة سلا من اشترى شقة، ولم يستنجد بالعمال لإعادة إصلاح الشقة، أو جعلها صندوقا صالحا للسكن للإنسان.
وفي مدينة سلا، للجريمة حكايات يومية يتناقلها السكان، وأساطير حاملي الأسلحة البيضاء، فالمواطنون يتعرضون للسرقة في واضحة النهار، وللأسف الشديد، تعرضت معلمة خلال الأسبوع الماضي “لاعتداء شنيع” بعد أن اعترض سبيلها مراهقون على متن دراجة نارية، وسلبوها حقيبتها، وشوهوا وجهها بكل وقاحة، في حي سعيد حجي، في مدينة سلا، في غياب تام للأمن كما يتناقل السكان.
ولا يختلف اثنان في أن مدينة سلا، لا تستحق هذا المصير الكارثي، بعد أن أصبحت “نموذجا كارثيا” لمدينة مغربية، تجاور العاصمة الرباط، وتجاوز سكانها المليون، وتنبت أحياءها بسرعات غير اعتيادية، فغابات سلا تعرضت لـ “جريمة خضراء” بسبب وحشية الاقتلاع من سماسرة العقار، وشواطئها اغتصبتها شقق فاخرة، لم تجد لها لا ساكنا ولا مشتريا، إلا الرمال التي تعشش فيها، وكورنيش مدينة سلا، على المحيط الأطلسي، سلمه المسؤولون لمن يبني صناديق من الإسمنت، قرب “قصبة القراصنة”، فيما يستمر السكارى في اختيار الكورنيش المظلم في الغالب ليلا، مكانا مفضلا “للسكر العلني” كل مساء.
وللمآثر التاريخية لسلا، نصيب من إهمال، بالرغم من أنها تعكس عمقا تاريخيا لمدينة القراصنة، لأنها تتعرض للتلف عاما بعد آخر، وسط استمرار لظاهرة التبول عليها نهارا جهارا، فالصور التاريخي المطل على المحيط الأطلسي، الذي كان سدا منيعا ضد هجمات القراصنة، خلال القرون الوسطى، يتهاوى صخرة تلو أخرى، وسط جهل جيل اليوم من المواطنين من السلاويين أو سكان مدينة سلا، للعمق التاريخي الكبير لهذه المدينة، بعد أن فشلت كل محاولات إزالة الغبار عن سلا.
بكل موضوعية، لا تستحق هذه المدينة هذا المصير البئيس، بتحولها إلى “مرقد جماعي”، لكل الذين وجدوا فيها “شقة للسكن” تواتي قدرتهم الشرائية، بعد “انسحاب جماعي” أو لنقل “صمتا جماعيا” من نبلاء المدينة، الذين ينزوون داخل فيلاتهم في تلة سلاوية تطل على وادي أبي رقراق، ويمارسون “ترفا فكريا” باسم هذه “المدينة الجريحة”.
ففي العام 2008، انتقلت للعيش وللسكن في مدينة سلا، وأعترف أني غير نادم بتاتا على هذا القرار، لأني وجدتها مدينة تشبه كثيرا في حياتها الاجتماعية، مدينتي طنجة، إلا أن سلا يجب أن تتحول إلى “مدينة حقيقية”، بكل معاني الكلمة، عوضا عن استمرارها “مجرد إشاعة”، وضحية لتجار الانتخابات من كل الأحزاب السياسية، وضحية لمصاصي الدماء من تجار العقار، وضحية للمسؤولين الذين يقضون ساعات النهار في مقاهي المدينة، يغزلون الوقت”، فيما مصالح البلاد والعباد معلقة.
إن هذه “الصورة الواقعية” عن مدينة سلا، لا تختلف كثيرا عن واقع مدينة الرباط أو مدينة تمارة، باختصار نحن أمام “محور فاشل” في كل شيء، اسمه “الرباط – سلا – تمار”.