وزيرة بوزبال: يجب إبعاد الوزيرة الحيطي عن البيئة وعن كوب22، وإلغاء الصفقة المشبوهة، والاعتذار إلى المغاربة؟
بقلم توفيق بوعشرين
جبهة حكيمة الحيطي «قاسحة»، وسياسة «تخراج العينين» تتقنها أكثر من غيرها، وإلا لما امتلكت الجرأة لتبييض شحنة نفايات سامة تبلغ 2500 طن دخلت إلى ميناء الجرف الأصفر الأسبوع الماضي، آتية من إيطاليا نحو أفران الإسمنت في معامل لافارج، قبل أن تظهر نتائج التحليلات الإيكولوجية.
الرأي العام المغربي صدم مرتين في هذه النازلة؛ الأولى عندما أخذ علما من الصحافة الإيطالية بأن بلاده فتحت ذراعيها لنفايات سامة آتية من إيطاليا التي تعتبر ذات سجل أسود في أوروبا من حيث عدم احترام المعايير البيئية في إنتاج وتصدير النفايات خارج حدودها، والأدهى أن ترخص وزارة الحيطي لدخول أطنان من النفايات إلى بلاد تستعد لاستقبال أكبر حدث بيئي على وجه الأرض بعد خمسة أشهر، الكوب 22. وحتى وإن كانت أضرار حرق هذه النفايات في سماء المملكة مما يمكن احتماله، فإن الوزارة كان ينبغي أن تؤجل هذا الترخيص الآن على الأقل، فما بالك والصفقة تحوم حولها شبهات كثيرة سنعرض بعضها.
الصدمة الثانية كانت عندما تطوعت وزارة الحيطي لإصدار براءة ذمة إيكولوجية لشركة لافارج، التابعة لهولدينغ مغربي-فرنسي (sni، farge france)، في استيراد 2500 طن من النفايات السامة من إيطاليا، في الوقت الذي لم تنتهِ التحليلات المخبرية من فحص هذه النفايات في إيطاليا نفسها، التي أعلنت فيها لجنة «ARPAL» أنها أخذت عينات من هذه النفايات التي ظلت سنوات مكدسة في مطارح «تافيرنا ديل ري»، وأن اللجنة ستعلن في غضون أسابيع النتائج التي ستتوصل إليها إلى العموم. إذا كانت إيطاليا، التي من مصلحتها التخلص من هذه النفايات خارج حدودها، فيها ضمائر مستيقظة، ووسائل إعلام يقظة، ورأي عام حساس تجاه المخاطر البيئية التي تتسبب فيها هذه النفايات، فكيف لا يأخذ البلد المستورد لهذا «البلاء» الاحتياطات اللازمة؟ وكيف لا تمتنع الحكومة ووزيرتها، المشغولة على الدوام بعمليات التجميل، عن تبييض السموم التي دخلت إلى معامل لافارج حتى تظهر نتائج التحليلات المخبرية؟ هذا استهتار بالصحة العامة وبالقانون وبمشاعر الرأي العام، وهو خطأ أكبر من الأخطاء التي وقع فيها الوزراء الذين خرجوا من الباب الخلفي للحكومة بنكيران.
النفايات التي دخلت إلى المغرب، مضت سنوات طويلة وهي في مطارح إيطاليا، ولم تعرف الحكومة هناك كيف تتخلص منها إلى أن جاء الفرج على يد «لافارج»، التي تطوعت لاستقبال هذه الكمية المهولة منها لحرقها في مصانع إنتاج الإسمنت ومعها حرق أعصاب المغاربة، والغريب أن الحكومة الإيطالية، عندما نقلت هذه الشحنة إلى الموانئ الإيطالية لتصديرها إلى المغرب، فعلت ذلك بسرية تامة لتفادي انفجار احتجاجات أنصار البيئة وسط المجتمع الإيطالي، الذي ينظر بريبة كبيرة إلى صناعة النفايات في بلاده، من جهة، لأن سجل روما في هذا المجال سجل أسود، حيث صدرت أحكام عقابية كثيرة عن الهيئات الأوروبية ضد إيطاليا خلال السنوات الماضية باعتبارها دولة لا تراعي القوانين الأوروبية في إنتاج وتصدير النفايات، ومن جهة أخرى ينظر الإيطاليون إلى الموضوع بشك كبير لأن المافيا الإيطالية دخلت على خط هذه الصناعة القذرة، ومعلوم أن المافيا لا يهمها سوى المال الذي تجنيه من الأنشطة السوداء التي تباشرها.
في الوقت نفسه الذي أعطت وزارة الحيطي الضوء الأخضر لشركة لافارج لاستيراد هذه النفايات المشبوهة، رفضت رومانيا، رفضا مطلقا، السماح لشركاتها باستيراد النفايات الإيطالية، بعدما أعلن في روما أن اتفاقا جرى لتصدير أكثر من مليون طن من هذه النفايات إلى ثلاث دول، وهي المغرب والبرتغال ورومانيا، حسب ما ذكرته صحيفة «نابولي توداي» الإيطالية.
ماذا تنتظر وزارة العدل والحريات لكي تفتح تحقيقا قضائيا في هذه النازلة التي تهدد الصحة العامة، وتسيء إلى سمعة البلاد وسيادتها؟ ماذا ينتظر البرلمان لكي يشكل لجنة لتقصي الحقائق في هذه الفضيحة -وليس فقط لجنة استطلاع لا تهش ولا تنش- وينزل إلى الميدان لجمع كل المعلومات، والاطلاع على الوثائق، وعرض عينات من النفايات، التي دخلت إلى معامل لافارج، على مختبرات مستقلة لتقول كلمتها الفصل في الموضوع؟ إذا لم تغضب الحكومة، ولم يتحرك القضاء، ولم يبادر البرلمان إلى فتح تحقيق في النازلة من أجل كرامة وصحة المغاربة، فليفعلوا ذلك من أجل عيون الكوب22، ومشاعر الكوب22، وسمعة مراكش التي تحتضن عرس الكوب22. والمغربي «الكحيان»، الذي قبل أن يدفع ما بين درهم وعشرة دراهم في الأسواق الكبرى من جيبه لشراء كيس ورقي بدل كيس بلاستيكي من أجل المساهمة في نظافة البيئة، ألا يستحق التفاتة من هذا المستوى، وأقلها إبعاد الوزيرة الحيطي عن البيئة وعن كوب22، وإلغاء الصفقة المشبوهة، والاعتذار إلى المغاربة؟