رسالة إلى الجزائر والبوليساريو
على إثر الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ثورة الملك والشعب والذي حضي باستئثار الرأي العام الوطني والدولي، والذي ذكر بالروابط التاريخية التي تجمع الشعبين المغربي والجزائري والعمل المشترك في سبيل الانعتاق من براثن الاستعمار الغاشم، أصبحت الجزائر إذا مطالبة اليوم بإعادة النظر في أطروحة دعم حركات التحرر عبر العالم التي لا تكل وﻻ تمل من تقديمها كدريعة لتبرير دعمها المطلق واللامشروط للبوليساريو على حساب المصلحة العليا للمغرب ووحدة أراضيه.
فهذه الأطروحة أصبحت الآن متجاوزة ولا تستييغها أذن واعية. فقد أصبح جليا للعيان الأطماع الاستعمارية للجزائر بهدف الاستحواد على جزء من الأراضي المغربية، في تناقض صارخ مع دعواتها التحررية، وذلك من أجل أن تضع لها موطأ قدم على الواجهة الأطلسية للمملكة.
فالمتتبع للمواقف السياسية للجرائر يدرك مدى الكراهية الغير مبررة التي يكنها حكام الجزائر للمغرب.
لهذا أضن أن من حقنا أن نتسائل، خاصة أولئك الشباب من الجيل الجديد الذين لم يعاصروا تلك الحقبة التاريخية التي نشأ فيها هذا الصراع، عن ماهية وكنه هذا التعنت والحقد المبطن التي تكنهما الجزائر اتجاه المغرب.
فالأجيال الجديدة أصبحت تطرح أسئلة محيرة لم يجد الكثيرون لها جوابا مقنعا ولا ردا شافيا منها لماذا يكرهوننا؟ لماذا كل هاته الأحقاد والأدغان حتى أصبح هذا النزاع تتوارثه الأجيال ويئن من وطئته من هم براء منه كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب. فالحكمة تقتضي أن لا تحمل نفس حمل غيرها وأن لا تزر وازرة وزر أخرى.
إذن أفما آن الأوان يا حكام الجزائر يا من استأمنتم أمانة عظمى والتي إن عرضت على الجبال لأبت أن تحملها ولأشفقت منها أن تعودوا إلى رشدكم وإلى جادة صوابكم؟
نعم، فالطبقة الحاكمة في الجزائر أصبحت مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بضرورة مراجعة حساباتها اتجاه المغرب، وأصبح لزاما عليها أن تغير من نظرتها اتجاهه من عدو أو منافس إلى حليف استراتيجي، سيما وأن المغرب كان لها في وقت من الأوقات خير سند خلال الأيام العصيبة التي مرت منها وهي تئن تحت وطأة أيادي الاستعمار الغاشمة.
المغرب كذلك الذي لن يتوان ولو للحظة من أن يمد لها يد العون والمساعدة في مستقبل الأيام متى استطاع إلى ذلك سبيلا. فعجلة الزمن تدور ودوام الحال من المحال. فكم من قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأداقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. وكم من اناس غرتهم أنفسهم
وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.
فالمغرب كان على مر التاريخ الصخرة التي تنكسر عندها أطماع الطامعين وأحقاد الحاقدين. المغرب كان وما يزال سياسته واضحة تحكمها العقلانية والحكمة وتطبعها المبادئ النبيلة، ولا تشوبها الأساليب القدرة أو المآمرات الدنيئة.
فالجزائر للأسف مازالت تعتبر نفسها الوصية على مصير شعوب القارة السمراء والقادرة على إعتاقها من ويلات الاستعمار.
لدى بات حريا على الجزائر التحرر من عقلية التحرر.
فالجزائر ما تزال تعيش بعقلية ثورية تحررية عقلية سنوات الخمسينيات من القرن الماضي التي أكل عليها الدهر وشرب.
لكن ما لا يعيه حكام الجزائر أن الأمور اليوم قد تغيرت رأسا على عقب. فالاستعمار الذي عايشوه والذي تجرعوا مرارته قد غير من جلده وأصبح استعمارا يحكمه منطق جديد كما أشار إلى ذلك صاحب الجلالة في خطابه الأخير حيث أصبح يتخذ لنفسه أوجها مختلفة وأشكالا متعددة.
فالمنطق الدولي الذي كان سائدا إبان الحرب الباردة قد ولى واندحر ولم يعد له أثر إلا في بعض العقليات المتحجرة التي ترفض التغيير وتأبى أن تساير العصرنة والتجديد. ففي ظل النظام العالمي الجديد أصبحت الدول تفكر بمنطق المصالح الاقتصادية لا بمنطق الضغينة والمكائد. فلكم يا حكام الجزائر أخذ العبر من التكتلات الاقتصادية الضخمة التي تنسج من حولكم وأنتم في سباتكم العميق
وقد عجزتم حتى عن تحقيق اندماج جهوي بين الأقطار المغاربية تدرعا بحجج واهية ومبررات خاوية كنظرية المؤامرة والتشكيك التي لم يعد لها مكان في النظام العالمي الجديد.
ولهذا نجدد دعواتنا لعقلاء الجزائر وحكمائها بعودة قادة الجزائر إلى جادة صوابهم وتحكيم منطق الحكمة والعقل والتاريخ ومراعاة لأواصر العروبة والدين واعتبار لمبادئ حسن الجوار وذلك بالكف عن دعم البوليساريو صنيعة الجزائر. كما ندعوهم إلى مطالبة قادة البوليساريو بضرورة تسليم أسلحتهم والعودة إلى وطنهم الأم قبل فواة الأوان، بدلا من حياة العبودية التي يعيشونها ودرءا للمآسي التي بسببهم يتجرعها الصحراويون وغيرهم من المحتجزون في مخيمات البؤس والظلام من غير حول لهم ولا قوة.
فالحكمة تقتضي أنه بدلا من أن يكون الشغل الشاغل للطبقة الحاكمة في الجزائر هو التربص بالمغرب والكيد له وخلق حالة من عدم استقرار في المنطقة للنيل من استقراره ومن وحدة ترابه والزج به في متاهات من شأنها أن تحيد به عن مساره التنموي، أن يولي حكام الجزائر جهدهم ووقتهم من أجل ضمان رفاه وتقدم الشعب الجزائري الشقيق وفي سبيل الارتقاء بالجزائر إلى مصاف الدول المتقدمة اعتبارا لما تزخر به من مؤهلات حيوية وثروات طبيعية.
وعلى قادة البوليساريو كذلك أن يعلموا علم اليقين بأن الجزائر لن تمنحهم أكثر مما منحتهم وأن أكثر ما يمكن أن تقدمه لهم هي بقعة أرض جرداء وخيام بئيسة تنعدم فيها أدنى مقومات العيش الكريم حتى أصبحوا عرضة لقساوة المناخ ولجور الطبيعة.
فالمغرب في صحراءه ينعم بالرفاه والاستقرار ويسير بخطى ثابتة على درب النماء والازدهار. فلكم يا قادة البوليساريو أن تروا بأم عينكم ما وصلت إليه الصحراء المغربية من تطور ورقي في ظل السياسة الحكيمة لعاهل البلاد وبفضل سواعد المغاربة الأحرار واعتمادا على طاقاتهم الذاتية وإبداعاتهم المتجددة، من دون اتكالية أو انتظار هبة أو من من أحد.
فإذا كانت البوليساريو تعول على الاعتراف الدولي أو الأمم المتحدة لاقتصاص حق ما أنزل الله به من سلطان فقد ظل سعيها وخاب أملها لأن المغرب لها بالمرصاد، والشعب المغربي بكل أطيافه مستعد للدود عن حدود بلاده بكل بسالة ودون تردد. فالمغرب في أرضه أحب من أحب وكره من كره، والمغرب قدم أقصى ما يمكن أن يقدمه فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.
فعلى قادة البوليساريو أخذ العبرة من زعيمهم محمد عبد العزيز المراكشي الذي قضى نحبه وكله حسرة وندم على ما فرط في حق وطنه. فكم هو عجيب أن يفني اﻹنسان شبابه وحياته في سبيل وهم نسجه في مخيلته،
فيقعد بعدها ملوما محسورا وقد فاته الأوان ينتابه الأسى ويسحقه الندم، بعدما عاش في غفلة وقد غره الأمل وزين له الشيطان أعماله.
فإلى متى هذا التعنت الأرعن يا حكام الجزائر ويا قادة البوليساريو وإلى متى هذا الجحود وهذا التعصب وهذا العناد. فاعلموا هداكم الله أن من غرته قوته فإن القوة إلى زوال، ومن غره ماله فإن المال إلى نفاذ، ومن غره شبابه فالعمر يمر كلمح بالبصر، فكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.