عنصرية وعداء بعض الإسلاميين المغاربة لليهود ، ابوزيد المقرئ الادريسي نموذجا.
بقلم: انغير بوبكر
نشرت مؤسسة الادريسي الفكرية للابحاث والدرسات في طبعة ثانية سنة 2015، كتاب للاستاذ ابوزيد المقرئ الادريسي تحت عنوان افهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف .
الكتاب الذي يحتوي على 192 صفحة ذو طابع تحريضي توجيهي لشباب الحركات الاسلامية، لا يدافع عن القضية الفلسطينية كما يبدو من العنوان ، بل هو باختصار شديد ،تهجم على كل اليهود واليهودية وتبجيل لكل المسلمين وللديانة الاسلامية وتفضيل لهم على ما سواهم ،هو بعبارة ادق مرافعة من اجل محو اليهود من الارض لفسادهم ورجسهم وغطرستهم . منذ مقدمة الكتاب يفصح الكاتب عن نواياه العدوانية اتجاه اليهود وعن تحميلهم كل ما تتعرض له البشرية من مأسي ومظالم حيث حمل اليهود مسؤولية اقتطاع “الالزاس واللورين” من الالمان لصالح فرنسا واقتطاع “دانزيك” لصالح بولونيا .. وكتب بواضح العبارة وصريحها صفحة 15 مايلي : وبالنسبة للمكسيكيين ، فانهم يحسون الى يومنا هذا بان نيو ميكسيكو اغتصبت منهم ، بتآمر من اليهود والامريكان..”
الاستاذ المقرئ ابوزيد يرتكب اخطاء منهجية ساقته اليه ايديلوجيته الاسلامية الاقصائية واعمته من التمييز بين اليهود كديانة سماوية كباقي الديانات الاخرى الكتابية وبين ممارسات بعض اليهود السياسية في مناطق مختلفة من العالم ، حيث اعتبر ان كل ما يقع لنا في العالم مرده الى ” اقتطع منا واغتصب بالتآمر الدولي والتواطؤ العالمي ، بالقهر الصهيوني ، بالمكر اليهودي ..” ص 17 .ماذا يعني الاستاذ المحترم بالمكر اليهودي؟ ، هل يعني ذلك ان المكر خاصية فطرية ولصيقة بكل ماهو يهودي بغض النظر عن سنه ومكان ولادته وانتمائه السياسي ؟ هل يعني ذلك ان الاستاذ ابوزيد ، انساق وراء الطروحات الشعبية التقليدية المتوارثة عندنا، والتي تنضح بالعنصرية والكراهية ، والتي تعتبر اليهودي دائما عنوان للمكر والكذب والخداع ؟ اذا كان هدف الاستاذ الدفاع عن القضية الفلسطينية كقضية انسانية عادلة ، فنحن معه في هذا الرأي ونسانده ونؤيده باعتبار، ان الشعب الفلسطيني كباقي الشعوب المستعمرة له حق تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحقه في العيش بكرامة وحرية ، ولكن الدفاع عن الشعب الفلسطيني لا يعني مهاجمة اليهود في كل مكان وتحميلهم كل مصائب العالم ، وان نتبنى امام العالم مضلومية مزورة ، نرجع فيها تخلفنا وانحطاطنا الحضاري الى الاخرين ، فالمسلمين يتحملون الوزر الاكبر في ما وصل اليه وضعهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، فمن قتل ابن رشد ونصب ابن تيمية مرشدا للمسلمين ليس يهوديا ، ومن قتل قبله الخلفاء الراشدين ليسوا يهودا ، ومن اعدم العلماء والمفكرين المسلمين في التاريخ الاسلامي ليسوا يهودا ، من يقصف اليوم حلب السورية بالقنابل الكيماوية برؤوس الكلوريد وغاز الخرذل ليسوا يهودا، بل مسلمين من النظام السوري العلوي ومن داعش المسلمة .. وجرائم بعض المسلمين اتجاه بعضهم البعض اشد فضاظة وغظاظة من ما فعله اليهود بالاقوام الاخرى . الاستاذ ابوزيد المقرئ ذهب به حنقه على اليهود الى حد انه جاهد من اجل الغاء مضمون اية قرانية من سورة البقرة (الاية 122) تذهب عكس ما يتمناه، حيث يقول الله تعالى بشكل واضح لا مواربة فيه :” يابني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين “ الاستاذ المقرئ في سعيه الحثيث للتحايل على الاختيار الالهي لليهود ، قال بان ” اخذ اليهود في القران مساحة واسعة للحديث عنهم لما كانوا صالحين” ومعنى هذا الكلام ان هذه الايات نسخها الاستاذ نسخا ، لان في ايامنا الحالية، اليهود لم يعودوا صالحين كما كانوا من قبل حسب الاستاذ . وذهب الاستاذ مسترسلا في نقاشه للآية في نفس منواله الحربي ضد الاختيار الإلهي لليهود في القران بقوله ” ان التفضيل الالهي لبني اسرائيل الوارد في القران ليس تفضيلا بالمعنى الطائفي ، ولا بالمعنى القومي ، ولا بالمعنى العرقي فهذا امر لا يجوز في حق التصور الاسلامي ولا في حق دين الله لانه لا يجوز في حق الله سبحانه وتعالى الذي هو العدل والحق المطلقان ان يشرع لمجرد شبهة عنصرية ، حاشاه” انا اريد ان اسأل الاستاذ هل كان سيلوي عنق الآية ويفسرها تفسيرا غريبا ينسجم مع اهوائه اذا كان التفضيل يتعلق بالمسلمين ، هل كان سيقول نفس الشئ لو كان الله تعالى خص المسلمين بالتفضيل في الاية ؟ هل يعني ذلك ان الله تعالى لا يقصد الاسلام كدين في الاية التالية : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85 باعتبار ان الله تعالى ليس عنصريا باختياره المسلمين فقط دون غيرهم من الأديان. المقرئ ابو زيد يقول بشكل قطعي بان الاسلام ” هو دين الله في كل زمان ومكان ، والوحي واحد وعقيدة التوحيد واحدة . بل لقد سمى ابراهيم (ع) امة محمد “بالمسلمين” قبل ظهورهم بعشرات القرون : “هو سماكم المسلمين من قبل ” سورة الحج اية 78 . كلام الاستاذ واضح في عنصريته وتعصبه للديانة الاسلامية ، ولم يشترط على الاية الكريمة من سورة الحج ان يبقى المسلمين صلحاء لتنطبق عليهم الايام الكريمة كما فعل مع سابقتها التي تفضل اليهود عنذ الله ، هذا هو الكيل بمكياليين او اكثر . هذا هو التعصب الديني لدين واحد لا غير ، كأن الله تعالى لم يخلق اليهود والنصارى وغيرهم ، و يتعصب للمسلمين ويحبهم دون العالمين وهذا ما لايستقيم مع العدل الالهي. لاحظوا ما يقوله استاذنا عن اليهود ص 39 ” ان اليهود ليسوا مستقيمين حتى على دينهم ..حتى دينهم الباطل المزيف ..حتى توراتهم الملفقة التي كتبت اسفارها مئات السنين بعد موسى ، وفي ارض المنفى ، وباللغة الارامية ، ولم تكتب لا في زمان موسى ولا باللغة العبرية ولا في ارض فلسطين ، هذه التوراة الملفقة وهذا التلمود العنصري وهذه الاسفار المنسوبة للاحبار . ليسوا مطبقين لها ولا منفذين لها .ليسوا متبعين حتى لديانتهم اليهودية.”
تصنيفات الاستاذ لليهود صنفان فقط وفقط ، لا وجود لصنف ثالث خير او انساني او اسدى خدمات جليلة للانسانية ، كالمخترعين والعلماء والادباء الكبار .. بل “صنف علماني ملحد لا يؤمن بالله ولا يؤمن بموسى واحرى ان يؤمن بمحمد…والصنف الثاني يهود متدينون ، ملتزمون ، منفذون لتعاليمهم الكهنوتية ، ولكن في شقها العنصري الاستيطاني ، الذي قوامه كراهية الاسلام والحقد على المسلمين..” المقرئ ابوزيد في نظره ،اليهود ملة واحدة لا فرق فيها بين علماني ملحد او متدين كهنوتي الكل في دائرة الشر والرذيلة وقد ذكر ذلك في كتابه بوضوح وقال بان التفريق بين اليهودية والصهيونية بدعة لا ينبغي ان تنطلي علينا . فهل سيطبق أستاذنا نفس تصنيفاته عندما يتحدث عن المسلمين مثلا ، هل من المعقول والمنطقي والعلمي اختصار المسلمين في صنفين مسلم ملتزم لكنه متطرف ومسلم علماني ملحد لا يؤمن بالله ، أليس المسلمين اصناف واشكال ومذاهب؟ .. ان منطق استاذنا العنصري واضح جلي لا يحتاج الى دليل ولكن لتأكيده نسوق العبارة التالية من نفس الكتاب حيث ان الكاتب متخوف من ان نصبح مثل فرنسا –وليتنا اصبحنا مثل فرنسا او على الاقل اسبانيا لكنا من الدول المتقدمة ولانتهى جزء كبير من بؤسنا الثقافي والفكري :”ومن سيضمن –مثلا-ان المغرب لن يصبح مثل فرنسا : لقد كانت فرنسا مستقلة وحرة وتقول ما تشاء في حق اليهود . كانت 14 سنة من حكم رجل اشتراكي صهيوني مثل ميتران كافية لتسريع النفوذ الصهيوني في فرنسا ، حتى اصبح كل من يجرؤ على القول بان الهولوكست اختلاق ، او حتى الاقرار به القول بانه يتضمن رقما مبالغا فيه : يحاكم ….” .
الكاتب يتهم الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران بانه صهيوني وهذا اتهام باطل من اساسه ، فالسياسة الفرنسية في عهد ميتران كانت الى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعه وفضل الرئيس الفرنسي على الشعوب الاسلامية كبير جدا حيث احتضن المعارضات السياسية لعدد من الانظمة العربية والاسلامية المستبدة ، فالرئيس ميتران كان اول رئيس عالمي دعا من داخل الكنيسيت الى اقامة الدولة الفلسطينية واحترام حقوق الفلسطينين، الرئيس ميتران هو من احتضن زعماء الحركات الاسلامية الهاربين من البلدان الاسلامية.ميتران هو من حمى المرحوم ياسر عرفات من الاغتيال في لبنان ايام الاجتياح الاسرائيلي للبنان وهو من ناضل من اجل رفع الحصار الامريكي على عدد من البلدان التحررية انذاك . اما عن وجود الهولوكست من عدمه ، فمعظم الباحثين المتميزين والمرموقين في العالم اليوم ومعظمهم ليسوا على وفاق مع اسرائيل وسياساتها الاستيطانية في الاراضي المحتلة ، يؤكدون تعرض اليهود لمذابح وجرائم في اوروبا الغربية والشرقية وفي الاتحاد السوفياتي وكذلك في ظل حكم العثمانيين وان بدرجة اقل واخف .
معاناة اليهود من العنصرية والاقصاء الاجتماعي والتهميش ثابتة تاريخيا في ظل جل الامبراطوريات المتعاقبة المسيحية و الاسلامية كذلك. ولا ننسى بان معظم الشعوب العربية الاسلامية كانت متعاطفة مع النازية الالمانية ضد اليهود وضد البريطانيين في سياقات تاريخية مختلفة لا مجال لذكرها في هذا المقال.
من الخطأ العلمي والمنهجي حصر اليهود في العالم باسرائيل او الخلط المتعمد بين الصهيونية كحركة سياسية وبين اليهودية كديانة كباقي الديانات ، فاليهودية دين متفرق في الاوطان والامصار متعدد المشارب والتوجهات فمن اليهود من اسدى للبشرية خدمات جليلة في الطب والعلم والتكنولوجيا ومنهم من ارتكب الجرائم والمظالم ، كما انه من العمى الايديولوجي مهاجمة المسلمين و تحميلهم مسؤولية الجرائم التي تقترفها جماعات باسم الدين، نفس الشئ ينطبق على اليهود .
الافق الذي نطمح اليه هو ان تتحاور الاديان والثقافات وان تتعايش الهويات والاعراق في عالم حر ديموقراطي انساني يعلي من الحرية والعلم وحقوق الانسان. ان نكتب كتابات تحريضية ، موجهة لشبابنا وناشئتنا مبنية على الحقد والضغينة وتغليب دين على اخر او تفضيل عرق على اخر ، ، تتحمل المسؤولية الكاملة في التطرف والكراهية وانتشار الداعشية الفكرية ، عالمنا محتاج للاخيار في كل الديانات وكل الثقافات الهندوسية والاسلامية والمسيحية واليهودية … ، كفى الحضارة الانسانية تفرقة وكراهية وعنفا ، فلنعلم ناشئتنا الحوار والتعايش والاخوة لان البشرية لم تعد تحتمل الدمار.
انغير بوبكر