الميركاتو الانتخابي
محمد احداد
موسم الانتدابات الانتخابية في المغرب يعيش أزهى لحظاته هذه الأيام، وكل من كان متواريا عن الأنظار أو متخفيا أو متحينا الفرصة، خرج من كهفه، ولأن المنافسة وصلت إلى ذروتها بين الأحزاب السياسية في ثاني انتخابات في دستور محمد السادس، فإن سوق الانتقالات انتعشت كثيرا ومن كان يقايض إلى وقت قريب بمنصب بسيط أو يأخذ وعدا بتوظيف زوجته أو أن يأخذ حظيرة من الأبقار، لم يعد يقنع بهاته العروض التي يراها تافهة ولا تليق بمركزه المرموق.
“الميركاتو” الانتخابي بالمغرب لا يشبه الميركاتو الرياضي في شيء، لأنه ليس محكوما بأخلاق أو منظومة قانونية، وعلى هذا الأساس يمكن أن تجد مرشحا اتحاديا عريقا عاشر بوعبيد وعبد الر اليوسفي، وعارض الحسن الثاني، يترشح باس حزب التجمع الوطني للأحرار…ولا حرج. ويمكن، أيضا، أن تلفي مناضلا تقدميا ظل طوال مسيرته يصف حزب الأصالة والمعاصرة بالوافد الجديد وحزب التحكم ثم في آخر المطاف يستحلي تزكيته الانتخابية، وهو فوق ذلك قادر أن يدبج آلاف الأعذار والمسوغات منها مثلا أن إلياس العماري كان مناضلا يساريا يكره النظام وأن البام حزب يساري لا يختلف في شيء عن النهج الديمقراطي وكل الأحزاب الحمراء.
وليس غريبا، في سوق الميركاتو، أن تلفي مرشحا ينتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية مؤمنا بأفكار علييعتة وعزيز بلال، ينتقل إلى حزب إداري تسلل من رحم المخزن أو من رحم الإدارة، وسيشرح لك بالكثير من “السنطيحة” أن المخزن كذلك تقدمي جدا وأكثر تقدمية مل كل الأحزاب التي تؤثث المشهد السياسي في المغرب. وقد يسهب في التعليل قائلا إن المخزن يحب الحداثة ويعشق الحداثيين، وإلا لماذا وظف كل شيء، بما في ذلك “العصا الغليظة” كي يستدرجهم ويمحقهم في ماكينة الدولة بغير قليل من الاقتدار..
وليس خبرا، إذا أردنا الدقة أكثر أن يغير قيادي في حزب سياسي لونه الحزب خمس مرات في خمس ولايات انتخابية متتالية. تنتفي عنده الاصطفافات الإيديولوجية والمرجعيات السياسية، ولديه القدرة، كل القدرة، على أن يذيب الفروق بين حزب يساري وآخر يميني أو واحد حداثي وآخر محافظ، إنه يمتلك رشاقة سمكة لينتقل بسلاسة بين كل هاته الأحزاب، ولغة الجاحظ ليفحمنا ويفهمنا أن الاختلاف الواحد والوحيد بينها هو الرمز..والباقي كله تفاصيل.
أما المأساة، فهي أن يلجأ حزب العدالة والتنمية إلى انتداب أمين عام حزب سياسي لينافس به في حربه الأزلية مع حزب الأصالة والمعاصرة في قلعته الانتخابية، فقط لأنه عجز في ضمان مقعده الانتخابي هناك..قد يقول الإثنان إن ما يجمعهما هو محاربة التحكم، لكن متى التحكم يواجه بانتداب انتخابي..
ساهمت الدولة بقسط وافر في تأبيد هذه الفوضى السياسية وجعل الأحزاب السياسية تغرق في “بؤس” سياسي حقيقي، والحال أن هذا الترحال المقنن يضعف الأحزاب أكثر مما يقويها، لأن مقصده الأساس هو الحصول على المقعد الانتخابي.
الأحزاب السياسية المغربية وصلت إلى قناعة راسخة وهي أن الديمقراطية في المغرب مجرد عملية تقنية عددية ترتبط ارتباطا لصيقا بالانتخابات وليس بتأطير الرأي العام كما هو منصوص عليه في الدستور، لذلك تلجأ إلى الترقيع السياسي في تواطؤ تام مع الدولة فمن شيم المخزن أنه يحب الفراغ والامتلاء في آن.
على الدولة منذ الآن أن تضع منظومة أخلاقية وقانونية للترحال وإن على سبيل العرف، على الأقل ستمنع عضوا في الطليعة الديمقراطية من الانتماء إلى الأحرار أو الحركة الشعبية، أو تمنع مرشحا حداثيا من الانتماء إلى حزب محافظ..أما إذا أرادت أن تنعش خزينتها فعليها أن تفرض إتاوة على كل الذين يدفعون جزء مما يمتلكون فقط للحصول على التزكية..