التوظيف بموجب العقود المحددة المدة: تهديد لمبدأ استقرار العمل في غياب الضمانات
بقلم: ذ. المعاشي محمد
elmaachi.mohamed@gmail.com
باحث في قانون الشغل وخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية
——————————-
إن العقد هو اتفاق إرادتين أو أكثر على إحداث آثار قانونية متمثلة في إنشاء الإلتزام، وأن للشخص كامل الحرية في إيرام العقود، وتحديد مضمون وشكل العقد وأيضا طريقة إنهائه، باستثناء بعض النصوص القانونية ذات الصبغة الآمرة أو تلك المتعلقة بالنظام العام التي تمنع أو تقيد التعاقد بشروط معينة.
يعتبر عقد الشغل من أهم عقود الزمنية، بحيث يعد عنصر المدة ركن من أركانه الخاصة، وقد أبان المشرع المغربي شرط المدة من خلال المقتضيات القانونية الواردة في الفصل 723 من قانون الالتزامات والعقود عندما نص على أن ((إجازة الخدمة أو العمل، عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد، أو من أجل أداء عمل معين، في نظير أجر يلتزم هذا الآخر بدفعه له))، ونص الفصل 727 .ق.ا.ع. عل أن (( لا يسوغ للشخص أن يؤجر خدماته إلا إلى أجل محدد أو لأداء عمل معين أو لتنفيذه، وإلا وقع العقد باطلا بطلانا مطلقا))، كما نصت الفقرة الأولى من المادة 16 من مدونة الشغل على أنه ((يبرم عقد الشغل لمدة غير محددة، أو لمدة محددة، أو لإنجاز شغل معين)).
لكن، وإن كان عقد الشغل من عقود المدة، فهو ليس بعقد أبادي، وهذا ما أكدتها مقتضيات الفصل 728 من ق.ل.ع([1]). وعقود الشغل عادة ما تنقسم إلى عقود الشغل غير محددة المدة، وعقود الشغل محدد المدة، وكل واحد منهما ينتهي بكيفية مختلفة من الناحية القانونية والعملية عن الأخرى.
يندرج مقالنا هذا، انطلاقا من المذكرة التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تحت رقم 16-866 بتاريخ فاتح نونمبر 2016، في شأن توظيف 11000 أستاذ بموجب عقود محددة المدة من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لتعزيز الموارد البشرية بمختلف أسلاك مؤسسات التربية والتعليم العمومي، أمام إكتضاض الأقسام بعدد هائل من التلاميذ التي تفوق أحيانا 50 تلميذا. وتوظيف الأكاديميات الجهوية للأساتذة بموجب عقود محددة المدة، يأتي عملا بأحكام المقرر المشترك رقم 7259 بتاريخ 7 أكتوبر 2016 بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة الاقتصاد والمالية.
وتعتبر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المحدثة بمقتضى قانون 07.00([2])، مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تخضع لوصاية الدولة التي تمارس من لدن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني (المادة1)، والاختصاصات التي تمارسها الأكاديمية مفوضة إليها من لدن الوزارة الوصية في مجال تدبير الموارد البشرية (المادة2)، وعند سد خصاص هذا الأخير تعمل على توظيف الأعوان طبقا لنظام أساسي خاص يحدد بمرسوم (المادة11)، كما يخضع الموظفون والأعوان المنتمون إلى الهيئات التعليمية والإدارية والتقنية لأحكام النظام العام للوظيفة العمومية وكذا لأحكام أنظمتهم الأساسية الخاصة (المادة 10).
وانطلاقا من قراءة مضمون مذكرة رقم 16-866، التي يكتنفها غموض وشبهات وتعسف في حق المتعاقدين، فإننا سنتناول الموضوع في النقط التالية:
متى كانت عقود الشغل المحددة المدة تصاغ بصفة منفردة؟
مدى اعتبار عقود الشغل بصفة منفردة من عقود إذعان؟
لماذا تفادت مذكرة الوزارة الارتكاز على المرجعية القانوية؟
مدى مساهمة عقود الشغل المحددة المدة في تكسير مبدأ استقرار العمل؟
لماذا ترتبط الوزارة تجديد عقود المحدد المدة بشروط؟
لماذا يتم تحديد المجال الترابي لمزاولة المهام في العقود؟
أولا. صياغة عقود الشغل المحدد المدة بصفة منفردة
إن الحرية التعاقدية المسيطرة على قانون العقد، يجعل للشخص كامل الحرية في إبرام العقود أو عدم إبرامها، وتحديد مضمون وشكل العقد وطريقة إنهائه، باستثناء ما هو منصوص عليه قانونا ذات الصبغة الآمرة أو تلك المتعلقة بالنظام العام التي تمنع أو تقيد التعاقد بشروط معينة.
لكن، إذا كانت حرية التعاقد تستلزم التفاوض حول شروط العقد، فلماذا انفردت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في صياغة عقد الشغل المحدد المدة بصفة منفردة؟ حيث المذكرة الوزارية الصادرة تحت رقم 16-866 بتاريخ فاتح نونمبر 2016، في موضوع “توظيف الأساتذة بموجب عقود من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين”، حددت مضمون عقد المحدد المدة الذي سيبرم بين الأكاديمية الجهوية، كطرف أول، والمترشح(ة) الناجح(ة) بصفة نهائية في المباراة، كطرف ثاني.
إن إبرام العقد، والوزارة على بينة من ذلك، يلزم الطرفين في تنفيذه، لكن بحسن نية (الفصل 231 من ق.ا.ع)، بحيث لايجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو لأسباب التي يقررها القانون، حيث الأصل في إبرام العقود هو مبدأ سلطان الإرادة، والعقد شريعة المتعاقدين، وينص على هذا المبدأ الفصل 230 من ق.ا .ع.
وما يثير الاستغراب في مذكرة الوزارة 16-866 الموجهة لمديري(ة) الأكاديمبات الجهوية للتربية والتكوين، أنها لم تترك أي هامش للمتعاقدين من أجل مناقشة مضمون العقد، سواء تعلق الأمر بمدير الأكاديمية الجهوبة كطرف أول في العقد، أو الأستاذ كطرف ثاني في العقد، مما أصبح مضمون هذه المذكرة يلزم الطرفين، إلا إذا رفض الطرف الثاني توقيع العقد.
كما أن المذكرة الوزارية ركزت كثيراً في مضمونها، على أن التوظيف بموجب عقود لا تخول المطالبة بالترسيم أو الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية، بل دفع بها الأمر إلى مطالبة المتعاقد بالتوقيع على إلتزام والمصادقة على تصحيح الامضاء من طرف السلطات المختصة، حيث جاءت العبارة في الإلتزام على الشكل التالي”أنني أعلم أن التعاقد مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، لا يخول لي الحق في الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية” ويضيف الإلتزام أنه في حالة نجاح المتعاقد في المبارة والموافقة على التعاقد مع الأكاديمية يلتزم ب”عدم المطالبة بالإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية بناء على التعاقد مع الأكاديمية”.
ويأتي هذا التوظيف بموجب عقود المحددة المدة في إطار الحاجة الماسة للأكاديميات الجهوية للموارد البشرية، مما دفع بالوزارة الوصية إلى إحداث 11000 منصب شغل من أجل سد هذا الخصاص القائم، وباعتبار أن مبدأ حرية التعاقد يستلزم التفاوض، فكان من الأجدر أن يتم التفاوض مع المنظمات النقابية الممثلة لقطاع التعليم، حول نوعية العقد (محددة المدة أو غير محدد المدة، والسند القانوني) وكذا الشروط والأحكام العامة التي سيتضمنها العقد، خاصة وأن نقابات قطاع التعليم مشهود لها بتاريخها ومواقفها النضالية منذ آماد طويل.
غير أنه يبدوا أن قرار التوظيف بموجب العقود المحددة المدة أتخذ في غياب مقاربة تشاركية مع النقابات، اللهم إذا كانت هذه الأخيرة على علم وفضلت السكوت، والسكوت علامة الرضى، لكن سننتظر موقفها ودورها ورد فعلها في هذا الموضوع، الذي نتمنى أن لا تسلك نفس الطريق الذي سلكته في ملف التقاعد.
ثانيا. مدى اعتبار صياغة عقود الشغل بصفة منفردة من عقود إذعان؟
في غياب المقاربة التشاركية مع النقابات الممثلة لقطاع التعليم، وفي تغييب مبدأ الحرية التعاقدية، وأمام فرض الوزارة لشروطها في شأن توظيف الاساتذة بموجب العقود المحددة المدة، من جهة، ومن جهة أخرى، مادام أن هذه العقود يعده أحد طرفي العلاقة التعاقدية بصورة منفردة، ويعرضه على الطرف الأخر للموافقة عليه أو رفضه، دون أن يكون له الحق في مناقشة الشروط والأحكام التي يتضمنها العقد أو تغيير أو إضافة عبارات أو ينود في العقد، فإننا نكون أمام عقود الإذعان([3]) التي تعتمد في صياغتها على استخدام نموذج نمطي للعقد، حيث حاجة المواطنين الماسة للتعليم العمومي، وكذا إرتفاع عدد العاطين الحاصلين على الشهادات وقلة مناصب الشغل.
وما يثير الاستغراب، أن عقود الإذعان التي أثارت العديد من النقاشات بين رجال القانون، والتي تعرف إنتشاراً واسعا في عالم المعاملات المدنية والتجارية وكذا في المقاولات والمؤسسات الخصوصية، وهو أن ينتقل الأمر بتداول هذه العقود من طرف الإدارة العمومية وفرضها على المؤسسات العمومية الوصية عليها، وهذا ما نلاحظه من خلال ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من جراء مذكرة 16-866 التي أصدرتها في فاتح نونمبر 2016، في شأن توظيف الأساتذة بموجب العقود المحددة المدة، والتي تناولت بالتفصيل وبشكل منفرد لمضمون العقد، الشيء الذي لم يستسغه أحد من المترشحات والمترشحين المقبلين على اجتياز مباراة الولوج للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ناهيك على ما أثاره من نقاشات قانونية بين مختلف الأوساط المرتبطة بالشأن التربوي.
ويعتبر اتفاق اتخذ صبغة إذعان، قابلا للإبطال، متى جاء ذلك مجحفا ومضراً بمصالح الطرف الضعيف، خاصة إذا كانت إرادة هذا الأخير متأثرة بظروف نفسية خارجية تحد من قدراته على اتخاذ القرار المناسب والملائم، غير أن المشرع المغربي لم يعمل على تنظيم عقود الإذعان.
إن انتقال العمل بهذا النوع من العقود وبسرعة غير منتظرة، وفي هذا الوقت بالذات ومن طرف حكومة تصريف الاعمال، والمواطنين في ترقب وعن كثب للحكومة الجديدة التي طال إنتظارها وإخراجها لحيز الوجود منذ تعيين جلالة الملك للسيد عبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة الجديدة يوم 10 أكتوبر 2016 بمقتضى الفصل 47 من الدستور، من جهة، ومن جهة أخرى، يلاحظ غليان الشارع العام الوطني بوقفات احتجاجية سلمية في أكثر من 40 مدينة، على إثر مقتل بائع السمك محسن فكري بداخل شاحنة النفايات يوم 28 أكتوبر 2016 بالحسيمة، يظهر جليا أن هذه السرعة تأتي وفق مخطط مدروس بعناية فائقة، نحو تعبيد الطريق لخوصصة المدرسة العمومية.
ثالثا. مذكرة الوزارة وعدم ارتكازها على المرجعية القانونية
من خلال ما جاءت به المذكرة الوزارية يتبين أنها لم ترتكز على المرجعية القانونية، بحيث أن مقتضيات الفصل 6 مكرر([4]) من النظام الأساسي العام للوطيفة العمومية، الذي يعتبر من بين ما جاء به إصلاح منظومة الوظيفة العمومية سنة 2011 في ظل حكومة عباس الفاسي، حيث ينص على أنه ((يمكن للإدارة العمومية عند الإقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود، وفق الشروط والكيفيات المحددة بموجب مرسوم. لا ينتج عن هذا التشغيل، في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة -15)).
غير أن الفصل 6 مكرر لم يتم تفعيله، لكونه كان يتوقف على إصدار مرسوم تطبيقي الذي تأخر لأكثر من 5 سنوات، أي حتى سنة 2016، ليتم في ظل حكومة بنكيران الأولى إصدار المرسوم التطبيقي رقم 2.15.770 بتاريخ 9 أغسطس 2016([5])، الذي يحدد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية.
لكن التساؤل الوارد في هذا الصدد، ما هو السبب وراء تفادي وتغييب المذكرة الإشارة للمرسوم الذي يحدد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية، الحديث العهد، من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، التي يعتبر وزيرها منتميا لنفس الحكومة التي أصدرت هذا المرسوم؟ هل هذا راجع إلى كون مذكرة 16-866 تعتبر طريق ثالث أو فرع نظام قانوني جديد تؤسس لعلاقات شغلية جديدة فريدة من نوعها؟ خاصة إذا كانت هناك إرادة في خوصصة المدرسة العمومية وهي تسير وفق خطى مدروسة.
رابعا. مساهمة العقود المحددة المدة في تكسير مبدأ استقرار العمل
منذ البداية حددت مذكرة الوزارة نوعية عقد الشغل، ألا وهو عقد الشغل المحدد المدة، حيث جاءت في المذكرة على أنه “يبرم هذا العقد لمدة محددة في سنتين”، في الوقت الذي يعتبر عقد الشغل محدد المدة هو مجرد استثناء، وأن العقد غير محددة المدة هو الأصل، بحيث إذا وقفنا على مقتضيات المادة 16 من مدونة الشغل، فنجدها تنص على أنه ((يمكن إبرام عقد الشغل لمدة غير محدد المدة، في الحالات التي لا يمكن أن تكون فيها علاقة الشغل غير محددة المدة))، واللجوء إلى عقد محدد المدة، من خلال هذه المادة، يتبين أن مشرع المدونة عمل على حصرها فيما يلي:
– إحلال أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد الشغل، ما لم يكون التوقف ناتجا عن الإضراب(هذا التوقف حددتها المادة32)؛
– ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة؛
– إذا كان الشغل ذات طبيعة موسمية.
كما يمكن إبرام عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات والحالات الاستثنائية التي تحدد بموجب نص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو بمقتضى اتفاقية الشغل جماعية.
وإذا حاولنا الرجوع إلى مرسوم 2.15.770 السالف الذكر، فنجد أن الإدارة العمومية لا تلجأ إلى إبرام العقود المحددة المدة، إلا عندما تقتضي ضرورة المصلحة لذلك، حيث نصت المادة 2 منه على أنه ((يمكن للإدارة العمومية، كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك، أن تشغل بموجب عقود:
– خبراء لإنجاز مشاريع أو دراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة، يتعذر القيام بها من قبل الإدارة بإمكاناتها الذاتية؛
– أعوانا للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي)).
وينتهي عقد الشغل المحددة المدة بحلول الأجل المحدد للعقد، أو بانتهاء الشغل الذي كان محلا له، (المادة 33 م.ش).
غير أن العقود المحددة المدة تعتبر من العقود التي لا يطمئن لها الشخص المتعاقد، نظراً لعدم استقرار العمل، واعتمادها هو تكسير للحماية التي بحث عنها المشرع عندما رغب في ترسيخ مبدأ استقرار العمل وديمومته([6]).
خامسا. إرتباط تجديد عقد محدد المدة بشروط
تجديد العقد بعد سنتي من التدريب مرتبط بالنجاح
أوردت مذكرة الوزارة على أنه “يتم تجديد هذا العقد لمدة سنة قابلة للتجديد بصفة تلقائية بعد سنتي التدريب وبعد اجتياز بنجاح امتحان التأهيل المهني”، وهذا يعني أن 11000 أستاذ الذين سيخضعون للتدريب بموجب عقود المحدد المدة لمدة سنتين، قد يؤدي الأمر ببعضهم إلى إنهاء عقودهم، لكون تجديد العقد لمدة سنة مع الأكاديمية الجهوية مرتبط بنجاح في امتحان التأهيل المهني، وهذا لا يمنعنا من القول أن التجديد مرتبط أساساً بمدى توفر الأكاديمية الجهوية على الاعتمادات المالية التي سترصد لتخصص لأداء أجور الشهرية للمتعاقدين، حيث النقص في الإعتمادات المالية سيفضي إلى النقص من عدد المتعاقدين.
التجديد التلقائي للعقد ولمدة سنة يتوقف على تقييم الأداء المهني
تشترط مذكرة الوزارة في تجديد العقد ولمدة سنة، على خضوع الأستاذ المتعاقدين لتقييم أداءهم المهني، حيث تضمنت المذكرة العبارة التالية “يخضع الأساتذة المتعاقدون لتقييم أداءهم المهني بصفة متواصلة، يؤخذ بها الاعتبار في الترقي والتجديد التلقائي للعقد”.
إنطلاقا من مضمون هذه العبارة، فإن تجديد العقد ولمدة سنة مرتبط أساساً بتقييم الأداء المهني للأستاذ، بحيث إذا كان التقييم سلبي، فالنتيجة هي إنهاء العقد بصفة أوتوماتيكية، والاستغناء عنه، وبدون أي تعويض يذكر.
وماذا لو تم إنهاء العقد المحد المدة قبل أوانه –دون صدور خطأ جسيم- داخل سنتين أو داخل سنة، من طرف الأكاديمية الجهوية، فهل سيتم تعويض المتعاقد بالأجور المستحقة والتي تعادل الفترة المتبقية حتى تاريخ إنهاء العقد؟ كما هو جاري يه العمل وفق قانون الشغل (المادة 33 من م ش).
إن تجديد العقد لمدة سنة يستمد قوته من الفصل 753 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه ((تنقضي إجارة الخدمة بانقضاء المدة التي حدها الطرفان. إذا ارتضى المتعاقدان صراحة، عند إبرام عقد محدد المدة، إمكان تجديده وحددا عدد مرات التجديد، لم يسغ لهما أن يتحددا لكل من هذه المرات مدة تتجاوز المدة التي حددت للعقد ومن غير أن تزيد في أية حالة على سنة …)).
وخلاصة القول، في إعتقادنا لم يكن بالضرورة الإشارة في المذكرة بأن تجديد العقد “بصفة تلقائية” مادام أن التجديد مرتبط بشروط النجاح والتقييم، كما نعتبر أن تجديد العقد المرتبط بتقييم الأداء المهني، تعسفا في حق الأستاذ المتعاقد، حيث كان لزاما أن يتم ربط فسخ العقد وعدم تجديده بالخطأ الجسيم، كما هو الشأن بالنسبة للمقتضيات القانونية الوارة في المادة 39 من مدونة الشغل، وذلك بعد اتاحة للمتعاقد فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع اليه من طرف الاكاديمية الجهوية (المادة 62 م ش)، وليس بتقييم الأداء المهني.
فضلا، ان تجديد العقد لمدة سنة والمرتبط بتقييم أداء المهني بصفة متواصلة للأستاذ، سيكون له إنعكاس سلبي على الوضعية النفسية والعائلية للأستاذ خلال نهاية كل موسم دراسي، حيث يجد نفسه وذويه في إنتظار ما ستسفر عليها النتائج النهائية.
وفضلا عن ذلك، نعتبر أن البند الذي سيتعلق بتجديد العقد لمدة سنة، سيصبح البند متعدد الأوجه، وصالح تطبيقه لكل زمن ومكان، بل هو ذلك البند الذي كل ما من شأنه، بحيث ما يمنع الوزارة من التدخل لدى الأكاديميات الجهوية من أجل استعماله كورقة حمراء في وجه المضربين والمحتجين للحد من الاضرابات والاحتجاجات؟ وكذا، ما يمنع الوزارة من خفض من عدد الاساتذة المتعاقدين في حالة النقص في الاعتمادات المالية التي سترصد لأداء الأجور الشهرية للمتعاقدين؟ وكذلك ما يمنع الوزارة إذا كان التعليم العمومي متجه نحو خوصصته؟ الخ.
سادسا. العقد وتحديد المجال الترابي لمزاولة المهام
لقد أوضحت المذكرة أن إبرام العقد مع الأكاديمية الجهوية بصفتها مؤسسة عمومية، سيحدد المجال الترابي لمزاولة المتعاقد لمهامه. وهذا تؤكده المادة 2 من القانون 07.00 المؤسس للأكاديميات الجهوية، حيث تناط بالأكاديميات الجهوية في حدود دائرة نفوذها الترابي وفي إطار الاختصاصات المسندة إليها، مهمة تطبيق السياسة التربوية والتكوينية.
وعليه، مادام أن المجال الترابي محدد لكل أكاديمة جهوية، فهذا يعني أنه يمنع الانتقال من أكاديمية إلى أكاديمية أخرى، حيث أن عملية الإنتقال لا يسمح بها إلا داخل مدار نفوذها الترابي، اللهم إذا تم إنهاء العقد وأبرم العقد من جديد مع أكاديمة جهوية أخرى.
غير أنه ماذا عن سنوات الأقدمية التي يكون قد قضاها بالأكاديمية، فهل سيُحتفظ للأستاذ المتعاقد بسنوات الأقدمية في العقد الجديد، حتى يتسنى له الاستفادة من الترقية؟ لكون الترقية تستلزم توفر المتعاقد على سنوات من الأقدمية- حسب المذكرة-، أم أن تنفيذ العقد وسريان العمل يبتدأ من تاريخ التوقيع على العقد.
وفي هذا الصدد، مادام أن الأكاديميات الجهوية تخضع لوصاية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ومادامت الأكاديميات الجهوية تمارس الإختصاصات المفوضة إليها من لدن الوزارة الوصية في مجال تدبير الموارد البشرية (المادة 2 من قانون 07.00)، لماذا لا تتدخل الوزارة الوصية ليسمح للمتعاقدين بالاستفادة من عملية انتقال بين الأكاديميات الجهوية، والاحتفاظ لهم بسنوات الأقدمية؟
وفي الأخير:
· إذاكان قطاع التعليم العمومي في أمس الحاجة لتعزيز مواردها البشرية بمختلف أسلاك مؤسسات التربية والتعليم العمومي، وسد الخاص القائم، أمام اكتضاض الأقسام والتزايد المستمر بالإقبال على ولوج التعليم، وحيث أن التعليم ليس عملا موسميا أو عملا مؤقتا بقدر ما هو عمل دائم، فما السبب وراء لجوء وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني إلى التوظيف بموجب عقود محددة المدة، وتجديد العقود بشروط، عوض الرفع من عدد مناصب الشغل برسم القانون المالي لسنة 2017؟
· إذا كان إبرام عقد الشغل المحدد المدة حصره المشرع المغربي في العمل المؤقت، وفي العمل الموسمي، فأين يمكن تصنيف التعليم العمومي بموجب هذه المذكرة؟
· هل توظيف الأساتذة بموجب عقود محددة المدة، يأتي من أجل قيامهم بعمل مؤقت نظراُ لإزدياد نشاط الأكاديميات، أم أن تشغيلهم من أجل القيام بعمل موسمي منتظم (الموسم الدراسي)؟
· ماهي المحاكم المختصة في حالة النزاع؟ هل سيخضع المتعاقدون للقانون العام (المحاكم الإدارية)، أم قانون خاص على اعتبارهم أجراء خاضعين لأحكام مدونة الشغل(المحاكم العادية).
· هل ستصبح الأكاديميات الجهوية التي تعتبر مؤسسة عمومية، مع مرور الوقت مؤسسات خصوصية؟ حيث كلما اقتضت الضرورة لتوظيف أساتذة، ستلجأ الاكاديمة لإبرام عقود محددة المدة، لسد الخصاص الذي قد يكون ناتج عن التقاعد أو التقاعد النسبي او المغادرة الارادية أو الوفاة أو إحداث مدارس جديدة ….الخ.
وختاما، إذا كانت مذكرة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني رقم 16-866 تحمل في طياتها مجموعة من المخاطر التي تهدد ترسيخ مبدأ استقرار العمل، فإن عقود الشغل المحددة المدة هي توجه حديث في العلاقات المهنية، التي من شأنها أن تحفز الاقتصاد الوطني، وتخلق حركية في العمل والرفع من قابلية على العمل، لكن هذا لا يتأتى إلا بتحصينها بمجموعة من الضمانات، خاصة وأن سوق الشغل غير قابل على استيعاب العدد الهائل من طالبي الشغل، الذين ما يزالون في حالة الإنتظار، حيث بلغ حجم البطالة 1.148.000 شخص على المستوى الوطني وبمعدل %9.7([7])، وقد ارتفع عدد العاطلين خلال النصف الأول من سنة 2016 بعد أن وصل إلى 1.169.000 شخص على المستوى الوطني وبمعدل %10، بحسب الإحصائيات الرسمية التي تنشرها المندوبية السامية للتخطيط.
الرباط في 17 نونمبر 2016
[1] محمد كشبور، “إنهاء عقد الشغل، مع تحليل مفصل لأحكام الفصل التعسفي دراسة تشريعية وقضائية مقارنة”، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء، سنة 2008، ص 35..
[2] ظهير شريف رقم 1.00.203 صادر في 15 من صفر 1421(19 ماي 200) بتنفيد القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. المنشور بالجريدة الرسمية 4798 بتاريخ 25 ماي 2000، كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى قانون رقم 71.15 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6437 بتاريخ 8 فبراير 2016.
[3] راجع في هذا الجانب، عبد الرزاق السنهوري، النظرية العامة للالتزامات.
[4] طهير شريف رقم 1.11.10 صادر في 14 من ربيع الأول 1432( 18 فبراير 2011) بتنفيذ قانون القانون رقم 50.05 بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.58,008 الصادر في شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5944 بتاريخ 19 ماي 2011
[5] منشور بالجريدة الرسمية عدد 6491 بتاريخ 15 أغسطس 2016
[6] محمد عيد بناني، “قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل، علاقات الشغل الفردية”، الجزء الثاني، المجلد الأول، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، سنة 2007، ص 306.
[7] راجع في هذا الصدد مقالات، المعاشي محمد، “التصدي للبطالة: بين إخفاقات البرامج الحكومية المتعاقبة وحماس الوعود الإنتخابية العابرة”، المنشور في المواقع الالكترونية، وكذا “لكل شخص الحق في الشغل: ما مدى قانونية استمرار المتقاعد في مزاولة العمل؟” المنشور على أعمدة جريدة المنعطف عدد 5255، وجريدة المساء 2964 و1965 و1966، وعبر المواقع الالكترونية .