لا سياسة دون ثقة
يونس مجاهد
من بين أهم العناصر التي أصبحت ضرورية في المشهد السياسي، اليوم، ما يتعلق بعنصر الثقة، الذي ينبغي أن يسود العلاقات بين مختلف الأطراف، كيفما كانت مواقعها، إذ لايمكن بناء دولة ديمقراطية، عصرية، قوية، بدون الرجوع، لميثاق أخلاقي، غير مكتوب، لكنه حاضر بين مختلف الأحزاب الفاعلة في الساحة، في علاقاتها الثنائية، والجماعية، و في علاقتها مع المواطنين.
كيف يمكن تفسير حالة العزوف البنيوية عن المشاركة في الانتخابات، وامتناع أكثر من ثلث المواطنين، الذين بلغوا سن التصويت، عن التسجيل في اللوائح الانتخابية، إذا لم يكن من بين عناصر التحليل، عنصر الثقة والمصداقية؟ لا يمكن لأحد أن ينكر أن حياتنا السياسية، معطوبة، بفعل ضعف المشاركة، التي تحولت إلى معطى بنيوي، يتجاوز كل المؤسسات والهيئات.
وحتى بالنسبة للمشاركين في الحياة السياسية، والصحافيين والمتتبعين والمهتمين، فإن ضبابية الرؤية، تحجب الواقع، بفعل عدم الوضوح، التي تغذيها تصريحات متضاربة ومتناقضة وتحتمل العديد من التأويلات، وتضخمها وسائل الإعلام والتواصل، لتغرق الجميع في بحر متلاطم، يدوخ فيه الرأي العام، دوخة لا مثيل لها.
ومن بين أسباب ذلك، اِنعدام ثقافة الثقة، في العلاقات بين الأطراف السياسية، يظهر ذلك، بوضوح في اللغة المستعملة، من قبيل اللجوء لمفاهيم مثل «المناورات»، و»التقية»، و»النفاق»، و»الاتفاقات السرية»… وغيرها من المصطلحات، ذات الحمولة السلبية، والتي تعبر عما يبرز على السطح، في الصورة السائدة عن السياسيين، رغم أن الواقع، قد يكون أٓخٓفّ نسبيا من هذه الصورة القاتمة.
الصورة البارزة للرأي العام، هي التراشق الإعلامي بين السياسيين، بدل النقاش الجدي، والتطاحن البلاغي، بدل الحوار البنّاء، و التلاسن، بدل الاحترام المتبادل، في الوقت الذي تنتظر الفئات المهتمة بالحياة السياسية، فعلا آخر، تسوده الشفافية والوضوح والالتزام في المواقف.
على كل من يرفع شعار الإصلاح، أن يساهم في إصلاح هذا الوضع، وأن يخلق أجواء الثقة والاحترام المتبادل، بين الأحزاب، عبر الحوار المباشر، المبني على الوفاء للالتزامات، في حالة الاتفاق، وبسط الخلافات، أمام الرأي العام، في حالة عدم الاتفاق، لأن الممارسة، السياسية، بدون قيم وأخلاق، لا تساوي شيئا، كما قال الفقيد عبد الرحيم، بوعبيد، وهي المدرسة التي يحافظ عليها الاتحاديون، ولن يتحولوا عنها.