حتى لا نعيش حالة “سكيزوفرينيا” أمام ذواتنا وأمام العالم
كثير من القضايا السياسية والمجتمعية الجوهرية مطروحة حاليا على بساط النقاش العمومي، من قبيل تهييء القانون الجنائي والقانون المتعلق بالإجهاض، كامتداد للنقاش داخل المؤسسات الدستورية، وبينها. والكل يدلو بدلوه، وهو الأمر المطلوب والعادي في بلد أضحى فيه الحوار والنقاش حول القضايا الجوهرية ركنا من الأركان الأساس في تجربته السياسية واختياره الديمقراطي. بل أضحى فعلا نموذجا متفردا في هذا المجال بالعالم العربي والإسلامي.
وفي إطار هذا النقاش، ما نؤكد عليه في البدء، هو أن يكون الدستور، بتأويله الديمقراطي، أي بروحه، هو الذي يجب أن يعلو على الكل، ويكون المرجع الأساس في إعداد وصياغة مشاريع القوانين، باعتباره أسمى قانون للدولة. وبصفته تلك، فهو يركز ويكثف اختيارات أمة لهذه المرحلة التاريخية الدقيقة.
ونؤكد أن الدستور الحالي، في جوهره وروحه، هو دستور لهذه المرحلة التاريخية. أما المؤسسات المنتخبة، والمؤسسات المتمخضة عنها، فهي مؤسسات محكومة زمنيا بمدة ولايتها طبقا لما ينص عليه الدستور.
وعليه، فإما أن نكون ملتزمين بمقتضيات الدستور، بتأويله الديمقراطي، كما صوت عليه الشعب المغربي بمشاركة واسعة ومصادقة شبه إجماعية، كما لم يسبق قط أن حدث في الاستفتاءات الدستورية السابقة… أو، أن نغلب الحسابات السياسوية والحزبوية، ونلجأ للخطابات الشعبوية، سعيا لتحقيق أطماع انتخابية.
من يقول بالاحتكام للشعب في عدد من مشاريع القوانين، يستبلد المخاطب (بفتح الطاء).. فمشاريع القوانين تطرح على البرلمان، ولا يصوت عليها الشعب.. وولاية أعضاء البرلمان محددة زمنيا، نهايتها السنة المقبلة.. أما الدستور الذي توافقت عليه الأمة، وصوت عليه الشعب كأسمى قانون للدولة، فباق بعد انتهاء ولاية الحكومة الحالية.
أما القول بأن الشعب المغربي، هو شعب موغل في التوجه “المحافظ”.. فهو مجرد إسقاط متعجرف لنتائج انتخابات 2011 على طبيعة المجتمع المغربي.. المجتمع المغربي مجتمع محافظ ، لكن في اتجاه آخر.. مجتمع محافظ متمسك بهويته الوطنية التي صنعت مجده التاريخي والحالي، هوية الاعتزاز بجذوره وتاريخه الذي طبعه الاعتدال الديني والانفتاح على الغير والعصر، بالتسامح الداخلي بين مكوناته الوطنية بتعددها، والتعايش السلمي مع مكونات المجتمع الإنساني، والتواق دوما إلى العيش عيش الأمم الراقية التي تضمن لكل أبنائه الكرامة الإنسانية، وممارستهم لحرياتهم الجماعية والفردية.
ونعرج قليلا على دور النخب السياسية والمجتمعية… دورها، كما شأن النخب في الأمم التي سلكت من قبلنا مسلك بناء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، هو التنوير، وطرح مسالك وسبل تقدم المجتمع وتحرره، جماعيا وفرديا في كل مناحي الحياة.. وليس اللجوء إلى الشعبوية في أقبح صورها للحفاظ على مواقع في السلطة، أو في أي موقع آخر.. فكثير من الماء قد جرى فوق – وليس تحت – قنطرة “الربيع العربي” منذ 2011..
وفي الختام.. بلادنا ليست في حاجة إلى انقسامات سياسية أو مجتمعية تجرنا إلى عصر القرون الوسطى.. الحاجة ماسة في القضايا الجوهرية السالفة الذكر، إلى التوصل لتوافقات وطنية إيجابية حولها.. وهذه التوافقات ممكن التوصل إليها ، شريطة احترام وتفعيل الدستور، بمقتضياته نصا وروحا.. فالدستور يظل أسمى قانون للدولة والأمة.. حتى لانعيش حالة “سكيزوفرينيا” أمام ذواتنا وأمام العالم…
– صحفي