تشكيل الحكومة: ميكيافيلية بنكيرانية أم سكيزوفرينية إسلامية؟
إدريس بنيعقوب
مسكين عبد الإله بنكيران، اختلطت عليه المراجع والقواميس فأصبح خطابه وفعله السياسي، على غير العادة، خليطا من جرعات متنوعة ومتناقضة، بعض منها ميكيافيلية العمل السياسي المؤسس على الربح وغزو المساحات عبر سبيل المكر والخديعة، من دون إعارة الاهتمام للقيم، وبعضها سكيزوفرينيا سياسية مبنية على المصالح الآنية غير معنية بما راكمته الذاكرة من أخلاق مقتبسة من “الوحي” ومن التراث الإسلامي.
مسكين بنكيران، حينما لم يفطن ولم ينصت للنذر وهو داخل حلبة المصارعة طيلة خمس سنوات مضت بأن الحساب سيكون إما في نهاية الجولة أو عند بداية جولة أخرى، وسيرد له الصاع بأحسن منه، وبأياد من الحجم الكبير التي عندما تصفع تخلط العيون بالأذنين والأنف بالفم والأسنان بالمعدة والأمعاء، ولم يتزود ليوم الميعاد هذا إلا بزاد كله زبد ذهب جفاء مع أول موجة بحر.
مسكين بنكيران، حاول التشبث بقاموس الشرف في باب الوفاء بالعهود وبالكلمة ونسي أن هناك قاموسا آخر في مرجعيته هو المكر والخديعة في النزالات مع الخصوم المختلف معهم في الرجاء والهدف، وحاول المقاومة والمناورة والصمود، غير أن الشركاء المحتملين في “جماعة الحكومة” لهم قواميسهم الخاصة ولهم رسوخ في الأرض وفي عمق الأرض، إن لم نقل حتى في السماء، أولئك الذين يعلمون أن الدولة والحكومة مأمورة يسيرون أنى تسير ويبنون حيث تبني ولا يعاكسون لها في السلطة سبيلا.
مسكين بنكيران، وإخوانه أيضا، عندما حاولوا الترافع عن الموقف الجديد فربطوه بالمصلحة العليا للبلاد متناسين عمدا أن من يرغبون رخصتهم للإفطار عن الصيام الحكومي وعن العطالة السياسية ولمضاجعة الشأن العام “بالحلال”، هم أنفسهم من حشروا لهم الناس صبحا وضحى وغروبا، وفتحوا لهم كتاب ابن المقفع وشبهوهم بالتماسيح والعفاريت وهم من علية القوم، وخصصوا لهم بابا في كتاب فرائض الحكم وأسموه باب فصل المقال في نسف التحكم والتسلط. هم أنفسهم من بنوا لهم حلقات جمعوا لها الناس في كل الأرجاء، وأوقدوا لهم الطين والأرض ليحرقوهم أمام الناس في أيام الزينة وغير الزينة، ليقدموهم للبشرية المغربية عدوها الذي يجب أن يقصوا من البناء، وأن يطلقوا طلاقا بائنا أمام الإنسانية كلها.
هؤلاء الذين فعلوا به هكذا، ترجى “شفاعتهم” عند الإمام، بل ويتوسل بهم القرب والبركة والأمان!
مسكين بنكيران وإخوانه، عندما لعبت بأذهانهم أوهام العظمة، ولقنوا الناس يوما ما مقولة فرعون “ما أوريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”، بل وطبقوها عليهم حاملين الأقلام الحمراء لتنقيط الدولة والمجتمع والشركاء في السياسة والوطن، لينكصوا اليوم على أعقابهم غير “متفرعنين”، يطلبون المشورة بل والتوجيه والعناية.
مساكين هؤلاء عندما أغرقوا أبناك الجماعة المغربية بوابل من الشتم والقدح في خصومهم متوهمين أن صناديق الزجاج فيها الكفاية وأنها أقوى من صناديق الرصاص والحديد والفولاذ، وأن السياسة هي شرف الكلمة انسجاما مع مراجعهم، وأن إعطاء الكلمة لحليف/خصم لدود ما، وأنهم بذلك يكونوا قد عبدوا الله حق عبادته وطبقوا الوحي، في حين إن الوحي نزل يوما ما ليصادق على رأي عمر في واقعة الأسرى ويرجحه على رأي الصدق والصديق، ثم تزكية الرسول الكريم لخطة الحباب بن المنذر في وصفة المكر والخديعة في غزوة بدر ويفضلها على خطته لأنها لم تكن من الوحي في شيء، بل هي تدبير بشري قابل للخطأ والصواب. أهو منزل أنزله الله أم الرأي والحرب والمكيدة؟ بل إنها الحرب والمكيدة يا مولاي!
حقيقة مساكين، وفعلا يثيرون الشفقة لأنهم لم يفهموا بعد أن السياسة لا تقبل السذاجة وتحب الشطارة كعمليات البيع والشراء تبنى على العرض والطلب، ثم على الخوف من كساد السلعة وبوارها إن هي ظلت مخزونة لمدة أطول وانقطع عنها الناس. وهاهم اليوم يقذفون من كل جانب لأنهم خسروا في الإجابة عن سؤال الشرف والوفاء، هذا الدرس الذي طالما لقنوه للعباد في كل المنابر والمؤسسات حتى ظننا أنهم لو ماتوا جميعا في “سبيل الله” كما كانوا يزعمون، لن يحيدوا عن تبديل “الطيب بالخبيث”، حسب تصنيفاتهم، هم طبعا. فلا هم أصابوا في امتحان الميكيافيلية وصنعوا سياسة تليق بالسياسة، ولاهم خرجوا من سكيزوفرينيتهم المزمنة وأعادوا للذاكرة فعلها في الحياة.
لكن لعل هذا الدرس سينفع بنكيران وإخوانه، إخواننا جميعا وشركاؤنا جميعا في العيش في هذا الوطن، ولعلهم يتعلمون منه أن تسوية الصفوف خلف الإمام الذي جعله الله قدرنا، من تمام الصلاة!!
استووا يرحمكم الله!