قرار عودة المغرب للإتحاد الإفريقي
الدكتور/ خالد الشرقاوي السوني
مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الإستراتيجية
ستنعقد يومي 30-31 يناير الجاري القمة الإفريقية لبحث طلب عودة المملكة المغربية إلى الإتحاد الإفريقي ، و للعلم فإن هذا الطلب قد حصل على توقيع 39 دولة، قبل انعقاد قمة الإتحاد الثامنة والعشرين المقرر انعقادها في نهاية يناير الجاري في أديس أبابا العاصمة الإثيوبية ، وبهذا العدد يكون المغرب قد تجاوز حاجز ثلثي الأعضاء، أي 37 دولة، من مجموع الدول الإفريقية الـ53، ما يعني قبول طلبه.
وكما هو معلوم ، أن المغرب سبق له أن انسحب ، بقرار من المرحوم الملك الحسن الثاني، من منظمة الوحدة الأفريقية التي أنشئت في 25 مايو 1963، وذلك رداً على انضمام ما يسمى “الجمهورية الصحراوية العربية” إلى المنظمة في نوفمبر 1984 ، مستدلاً بأنها لا تتوفر على شرط “الدولة المستقلة وذات السيادة”، باعتبار أنها مجرد جماعة تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة المغربية.
و كان هذا القرار في ذلك العهد شر لابد منه ، أملته عوامل موضوعية وإستراتيجية تتعلق باحترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمغرب التي تعد من ثوابت النظام المغربي ووسيلة ضغط على الدول المساندة والمؤيدة لمنظمة “البوليساريو” باعتبار أن المغرب دولة ذات مكانة معتبرة في إفريقيا ولا يمكن بأي حال من الأحوال القفز على دولة ذات حضارة و موقع جيو-استراتيجي يشكل صلة وصل بين إفريقيا وأوروبا ، إذ لايمكن أن تتقوى إفريقيا اقتصاديا أو معرفيا بدونه.
و قد اختار المغرب سياسة المقعد الشاغر منذ ذلك الحين وإلى حدود انعقاد الدورة السابعة والعشرين للإتحاد الإفريقي في العاصمة الرواندية كيغالي السنة الماضية ، حيث وجه جلالة الملك محمد السادس إلى هذه القمة رسالة بخصوص رغبة المغرب في العودة للإتحاد الإفريقي . و من أهم ما جاء في هذه الرسالة :
“أتوجه إليكم بصفتي حفيد جلالة الملك محمد الخامس، أحد أقوى رموز تحرر الوعي الإفريقي، وواحد من الرواد الملتزمين، إلى جانب الرؤساء جمال عبد الناصر، فرحات عباس، مديبو كايتا، سيكو توري، وكوامي نيكروما، صناع قمة الدار البيضاء التاريخية، سنة 1961، التي أعلنت عن انبثاق إفريقيا متحررة، وأسست للاندماج الإفريقي.وأتوجه إليكم أيضا، بصفتي ابن جلالة الملك الحسن الثاني، الذي جمع في نفس تلك السنة، مؤتمر حركات تحرر الدول التي كانت خاضعة للسيطرة البرتغالية، وساهم بكل أناة وروية، في استتباب الاستقرار في عدة مناطق من قارتنا، وفي تعزيز روابط الأخوة والصداقة، مع مجموعة من الدول الإفريقية”.
وبالإضافة إلى ذلك ، فقد أكد جلالة الملك “محمد السادس في خطاب ألقاه يوم 6 نونبر 2015 من العاصمة السنغالية “المسيرة الخضراء أن المغرب راجع إلى مكانه الطبيعي، ويتوفر على الأغلبية الساحقة لشغل مقعده داخل الأسرة المؤسسية الأفريقية . وقال إن هذه العودة ستمكن المغرب من الدفاع عن حقوقه المشروعة، وتصحيح المغالطات، التي يروج لها خصومه داخل المنظمة الأفريقية.
إن الأسباب الأساسية التي دعت المغرب للعودة للإتحاد الإفريقية، يمكن إجمالها فيما يلي :
1/ إن العديد من الدول الإفريقية غيرت من موقفها حيال قضية الصحراء، فضلا عن الحضور الوازن للمغرب بالقارة الإفريقية والعلاقات القوية التي أصبحت تربطه مع العديد من الدول الإفريقية.
2/ إن المغرب من الدول المؤسسة للمنظمة الإفريقية، وانسحب بسبب بعض المواقف التي أضرت بسيادته ووحدته الترابية، وهو عاد إلى منظمة كان فيها، وأكثر من ذلك أن المرحوم الملك محمد الخامس يعد أحد أقوى رموز تحرر الوعي الإفريقي بجانب بعض زعماء ورؤساء دول من إفريقيا الذين دافعوا عن انبثاق إفريقيا متحررة .
3/ إن حضور المغرب داخل المنظمة إيجابي جدا ، لأن ذلك سيساعده على الدفاع عن مصالحه المشروعة . ففي حال بقاء المغرب خارج المنظمة الإفريقية ، فإن خصوم الوحدة الترابية سيزدادون قوة وتأثيراً، وسيعمل المغرب على منع مناوراتهم لإقحامها في قرارات تتنافى مع الأسس التي تعتمدها “النزاع الإقليمي المفتعل، وتتناقض مع مواقف أغلبية الدول الإفريقية التي لا تعترف بحق البوليساريو في الانفصال .
4/ إن الزيارات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لعدد من الدول الإفريقية لدليل قاطع على ارتباط المملكة المغربية بجدورها و هويتها الإفريقية ، وبالتالي من غير المستساغ أن يظل المغرب خارج المنظمة الإفريقية.
فالزيارات التي قادها الملك محمد السادس في الشهور الأخيرة لكل من رواندا، تنزانيا، الغابون، السنغال، إثيوبيا، مدغشقر، ونيجيريا، توجت بمجموعة من الإتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، وفي الإجمال بلغ عدد الإتفاقيات الموقعة بين المغرب والعديد من البلدان الإفريقية أكثر من 590 اتفاقية، ساعدت المغرب من توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة.
و من أبرز هذه الاتفاقيات ، نذكر مثلا، إطلاق مشروع إنجاز خط أنابيب للغاز الذي سيربط موارد الغاز الطبيعي لدولة نيجيريا بالمغرب، مرورا بدول غرب إفريقيا، ، والاستثمارات التي سيَضُخها في تنزانيا والتي تقدر بـ 2 مليار دولار، و باستثمار ما قيمته 3.7 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة لإقامة مجمع ضخم لإنتاج الأسمدة الزراعية بإثيوبيا. بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى و مشاريع كبرى ستعود بالنفع على القارة الإفريقية أولا .
فهل يعقل أن يظل المغرب خارج الاتحاد الإفريقي و قام بكل هذه الأعمال و المشاريع من أجل تقدم إفريقيا و وازدهارها. و من يفكر عكس ذلك فإن نظره قصير و فاقد للبعد و للرؤية الإستراتيجية.