السياسة كفكر وممارسة
السياسة كفكر وممارسة
المريزق المصطفى
بعد أن تتبعنا في الثلاثة أشهر الأخيرة أطوار ” البلوكاج السياسي” الذي حال دون تشكيلة الحكومة، وبعد أن تم ثبوت عدم قدرة السيد رئيس الحكومة المعين على عقد قرانه السياسي، يظل باقيا أن نبحث مغزى النظرية التي تؤطر الأرضية السياسية التي ينهل منها السيد عبد الاله بن كيران المناهضة للانتقال الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون، وقد تم فعلا تكريس هذا النهج من الإجابة، من جانب بعض صقوره وأطره والمنظرين لتأسيسه السياسي ولفعله الشعبوي.
وبهذه الطريقة، يجري تبرير التهرب من المسؤولية بأثر رجعي، أما الممارسة السياسية التي كان من الممكن تفعيلها، ظلت تبحث عن التطويع، لتفادي الممارسة النقدية التي يمكن أن تحقق المنافسة الشريفة، والنمو الشامل للشخصية الحزبية كغاية تخص بناء المستقبل، بوصفه خاضعا للتغيير.
إن السيد رئيس الحكومة المعين، لم يأخذ على عاتقه القيام بدور الفاعل السياسي النشيط في توجيه التغيير ببلادنا. وقد ذهب فكره معاكسا ومنسجما مع ممارسته الفاشلة في تحقيق كامل إرتباطه بمخرجات دستور 2011، التي تفرض إرتباط نظرية عملية-نقدية.
لقد كان منتظرا من الممارسة السياسية المنبثقة من الذوات الفاعلة للتغيير الذي جاء به العهد الجديد منذ 1999، أن تستوعب المحتوى المناهض للسلطوية والتطويع، وللطابع المطلق لسلطة ولآليات تجسيدها المناقضة للتحرر من الزمن السياسي القديم. وقد اعترف أكثر من متتبع في الداخل والخارج بالدينامية السياسية التي طبعت مرحلة نمو الفعل السياسي النقدي عن طريق فحص 50 سنة من تدبير الحكم ببلادنا، وتم إدراك الحرية بوصفها مهمة من مهمات تنظيم التغير الاجتماعي بعيدا عن المزايدات والتحريض واستغلال التاريخ المشترك بين المغاربة للاستحواذ السياسي.
إن “ديكتاتورية” تقسيم المجتمع من منطلقات إيديولوجية أو دينية أو شوفينية، لم تجد سندها في واقعنا، رغم محاولة إحتكار المجالات الوظيفية لاستهلاك السياسي البيروقرطي والأصولي في أماكن العبادة وفضاءات البيئة الطبيعية التي تعودنا عليها. ومن الملامح الغريبة غير المألوفة التي صادفها التغير الاجتماعي في العهد الجديد، هو إنتاج سياسة من دون فكر متماسك ومستقل عن تقديس الأصولية، وعن الحركة النكوصية البازغة.
وإذا كانت بلادنا قد اختارت “الديمقراطية التمثيلية”، عن طريق الاقتراع أو الانتخاب العام الذي يقوم به المواطنون لممثليهم في الجماعات الترابية للمملكة في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، وفي الهيئات التشريعية، فهذا الاختيار ليس عبثا، بل هو الفكرة الجوهرية في الديمقراطية التي لا تحتاج للابتزاز، ولا للالتباس والغموض. وما التنكر السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، إلا تجسيدا للتسلطية، التي تضع مصالح المواطنين في مواقع أخرى من سلم الأولويات.
إن الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يستحق رد الاعتبار من طرف الجميع، لما لحقه من قمع واستئصال وتصدي لما يزيد عن 50 سنة، لما شكله تاريخه الكفاحي والنضالي، فكرا وممارسة، من مقاومة وممانعة لكي يحيى الوطن ومؤسساته.
إن بلادنا اليوم في حاجة ماسة لكل أبنائها، لنجنبها الأزمات الطاحنة القادمة، الداخلية منها والخارجية، في زمن تفكيك أنظمة سياسية بكاملها، وفي زمن الغموض والضبابية التي تسود العلاقات الدولية ومواقف الدول العظمى.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، وفي تقييم جدلي لمسارات المسلسل الديمقراطي، لم يسقط في الارتجالية السياسية، بل كان معنيا منذ لحظة ولادة “حركة لكل الديمقراطيين” بالاستيعاب النقدي للثقافة الحزبية السائدة، ولاستغلال الجهل والفقر في تصفية العناصر الأساسية في الوجود الوطني. وبالتالي، جاء مستوعبا الممارسة السياسية في تربتها المغربية/تمغربيت، لإيجاد الحلول للعبودية الاجتماعية، والدفع بانفتاح مؤسسات الدولة على محيطها الحقوقي والنسائي والأمازيغي والجهوي، من دون أي وظيفة خبيثة أو ممارسة مأجورة.
غير أن من الضروري، لكي ندرك تماما “نظرية مدرسة بن كيران في السياسة”، أن نفهم أنه، حتى بالنسبة لجزء كبير من كوادره، ليس هناك إيمان بممارسة السياسة من أجل تحققها، بل حجر الزاوية في ممارستها، هو تبني خطاب العنف والكراهية، ضد خطاب الحقوق والحريات. وما يتلقفه الإعلام من خطابات وتنابز وسب وشتم، إلا دليلا قاطعا على غياب المسؤولية الحزبية، وضرب المشاركة السياسية، طمعا في امتطاء خريف الأنساق التسلطية و الشمولية، كبديل عن التغير الاجتماعي من خلال الهياكل السياسية والحزبية القائمة.
وإذا كانت الحركات الاجتماعية، التي أججتها السياسات الحكومية التي قادها السيد بن كيران، تتوسع في الحقوق المدنية لشرائح واسعة من سكان المغرب العميق، ومن الفئات المهمشة والعاطلة عن العمل والفقيرة، فإن ما نخاف عليه هو أن نشهد حركات مضادة، تغذي التطرف والعزوف عن المشاركة السياسية والتفرقة في المجتمع.
إن الحفاظ على الوحدة الوطنية، يفترض قيادة سياسية نابعة من الديمقراطية كحقوق والتزامات، فكرا وممارسة، وليس قيادة تسلطية، إقصائية، هدفها ضرب التعددية الحزبية، وغرس بدور الفتنة والكراهية.