إلياس العماري يترك حزبه ويتشفى في حزب الاتحاد الاشتراكي
الياس العماري يكتب: ليس دفاعا عن المدرسة الاتحادية
أثير على هامش النقاشات المواكبة لتشكيل الحكومة بعد انتخابات السابع من أكتوبر الكثير من اللغط، وقد كان لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية النصيب الأكبر من الاستهداف الشرس من طرف مختلف الحساسيات الإيديولوجية والسياسية وبخلفيات متنوعة.
ويلاحظ أن هذه الهجمات لا علاقة لها بالخلافات التاريخية التي عرفها البيت الداخلي الاتحادي منذ الستينات، ولا بالانتقادات التي وجهت له من طرف رفاق عبدالرحمن بنعمر، ولا حتى بالاختلافات الداخلية أواخر التسعينات مع نوبير الأموي ومحمد الساسي. فهؤلاء من الطبيعي ومن حقهم التذكير بمواقفهم من الخط السياسي للقيادات المتعاقبة على الاتحاد، لأنهم يشكلون – رغم الاختلافات – جزءا من هذه المدرسة السياسية الأصيلة في المغرب.
لأجل ذلك فأنا لا أتوجه لهؤلاء، وإنما حديثي موجه لأولئك الأشخاص والمجموعات، سواء الافتراضية أو الواقعية من صنف الذين شرعت بالكلام عنهم في تدوينات خاصة على جداري الشخصي بالفضاء الأزرق، ممن تربطهم صلة بالصحفي والمخبر، وكذلك للذين يقودون هجمات على الإتحاد لاعتبارات لا تمت بصلة إلى القناعات السياسية والفكرية تجاه هذا الحزب، وإنما لاعتبارات سيكولوجية لا تعدو أن تكون تجليات لمشاعر الحقد والضغينة.
وبطبيعة الحال، أنا لا أعني أولئك الذين يعبرون عن مواقف “الحركات الإسلامية” التي ينتمون إليها، والتي تتناقض مرجعياتهم الإيديولوجية جذريا عن مرجعية اليسار بشكل عام، بما فيه الاتحاد الاشتراكي، والذين ما يزال دم الشهيد عمر بنجلون يشهد على درجة العداء وإعدام الآخر. كما أنني لا أعني الجهات المحسوبة على الدولة، والمتشبعة بعقلية الجنرال أوفقير، التي مازالت تحتفظ بتلامذة أوفياء لهذه العقلية، والموجودين في بعض الإدارات والأوساط.
تخصيصي هذا المقال للحديث عن الاتحاد الاشتراكي، لايجعلني أتموقع في زاوية الدفاع عن قيادات الحزب الحالية أو السابقة التي أكن لها كامل التقدير والاحترام. فرغم المرجعية اليسارية التي نهلت منها الشيء الكثير عبر مساري النضالي، فإنني أختلف مع الإتحاد أكثر مما أتفق. وإلى عهد قريب جدا، قالت بعض القيادات الحالية للاتحاد الاشتراكي في الحزب الذي أتشرف بأمانته العامة ما لم يقله مالك في الخمر. ولم يسجل علي أنني كلفت نفسي عناء الرد والتصدي للهجومات التي صدرت عنهم ضدي وضد الحزب الذي أنتمي إليه.
ينتابني اليوم، بالنظر لما تتعرض له المدرسة الاتحادية من تطاول وهجوم ممنهج، شعور يتجاوز ربما ما أحس به عندما يتعرض حزب الأصالة والمعاصرة من استهداف، لأنني أعتقد أن الدفاع عن الاتحاد هو دفاع عن إرث ورأسمال ثمين لجميع المغاربة، وأؤمن بأن أفكار ومواقف ونضالات هذه المدرسة ليست ملكا لقيادات ومناضلي الماضي والحاضر، بل هي ملك للشعب المغربي، بمختلف تعبيراته الجماعية والفردية.
في تقديري الشخصي، لا يمكن أن يكون مسلسل التهجمات والضربات الموجهة اليوم للاتحاد مجرد أفعال ظرفية وعادية أملتها الصدفة أو موقف أو خطأ معين لهذا الشخص أو ذاك. فقد علمتنا التجارب أن التهجمات التي تستهدف التنظيمات السياسية، خاصة ذات التاريخ العريق والمرجعية الفكرية والإيديولوجية القوية، ليست مجرد سب أو قذف صدر عن شخص ضد شخص في سوق أو ساحة عامة. فإذا كانت الصدف والظروف البسيطة والأحداث اليومية العادية تجمع الناس في الأسواق وتجعل بعضهم يسب بعضا، ففي الهجومات السياسية، كما علمنا التاريخ، تكون موجهة من طرف تكتلات وجهات تجتمع مسبقا، وتخطط وتختار أسلحتها بعناية وتعبئ أبواقها وتنشر الإشاعات، قبل وأثناء وبعد، لتهيئ الميدان لمعركة رابحة.
وحسب تحليلي لمجريات الأمور وتطورها، فإن الذين أسميتهم من قبل بالمخبر والصحفي، رفقة أجرائهم من الأقلام المدادية والافتراضية وآخرين، اتفقوا على شن هجومات كاسحة على الاتحاد وعلى قياداته، مستعملين جميع الأساليب والوسائل القذرة، وذلك قبل ما عرف بالصورة المتداولة لزر معطف السيد الكاتب الأول للإتحاد. حيث إن هذه الصورة هي فقط إحدى المنصات التي وظفت لإطلاق الهجوم الكاسح الذي بدأ قديما على المدرسة الاتحادية.
فمن له المصلحة في الإجهاز على الاتحاد الاشتراكي؟ ومن سيستفيد غدا إذا ضعفت المدرسة الاتحادية؟ هل جبهة اليسار؟ أم الصف الدمقراطي والحداثي؟
إن التاريخ لا يخفي أسرار الماضي، فلنبحث عمن كان بالأمس البعيد والقريب العدو الأول للمدرسة الاتحادية. وإذا كشفنا عن أولئك الذين كان يقض مضجعهم الاتحاد بالأمس، سنعرف من هو المستفيد من هجمات اليوم.
إذا استرجعنا من تم استعماله في سبعينيات القرن الماضي من أجل إعدام التجربة اليسارية، وعلى رأسها الحركة الاتحادية، أسقطنا الأقنعة عن الذين يشنون اليوم، معاركهم القذرة ضد الاتحاد وقياداته.
أخيرا، حينما يتعلق الأمر بالهجوم على حزبي، أكتفي بالقراءة والتفاعل لأنني أكون على علم بالجهة التي ينطلق منها الهجوم من منطلق الدفاع عن المصالح المتعارضة في السياسة، ولكن مقالي اليوم عن الاتحاد ليس دفاعا بل إثارة انتباه كثير من المواطنات والمواطنين من نشطاء الفضاء الأزرق إلى أن حسن نيتهم ومجاراتهم للهجومات الشرسة التي تشن على الصف الديموقراطي الحداثي ببلادنا تصب في مصلحة المخبر والصحفي الذين سأعود إليهم لاحقا. كما أن موقفي هذا لا علاقة له بمسلسل تشكيل الحكومة، فموقف البام عبرنا عنه في حينه ولا حاجة للتذكير به مجددا.