العثماني في عين العاصفة !
العثماني في عين العاصفة !
كان الله في عون رئيس المجلس الوطني لحزب “العدالة والتنمية” الدكتور سعد الدين العثماني، خلال هذه الأيام العصيبة من عمره. فالمتتبع لمجريات الأحداث السياسية ببلادنا يدرك جيدا مقدار معاناته، بسبب ما يتعرض إليه من انتقادات قاسية وقصف كثيف بنيران صديقة، منذ أن تم تعيينه رئيسا للحكومة خلفا لرفيق دربه عبد الإله بنكيران المعفى من مهمته، بعدما قضى حوالي نصف سنة من المشاورات، دون أن يتمكن من إقناع أمناء بعض الأحزاب بتشكيل أغلبية حكومية وفق شروطه.
فالعثماني كما يبدو واضحا لم يكن يحلم ولا مهيئا قط لتولي رئاسة حكومة بلد من حجم المغرب، ولعل هذا ما يفسر دهشته التي عبر عنها في أول تصريح إعلامي له بعد التعيين الملكي. وأكيد أن من يتحمل القسط الأوفر من دوخته وارتباكه، هم من غرروا به يوم زينوا له المزاوجة بين العمل الدعوي والسياسة، ثم قذفوا به في عرض بحرها المتلاطم الأمواج والمليء بالحيتان والقروش المفترسة.
إذ بمجرد إعلانه عن أغلبيته المشكلة من الائتلاف السابق وإضافة الاتحادين الدستوري الاشتراكي، حتى انبرت له أقلام منددة باختياراته، ونزلت على رأسه المطارق، وكانت الأشد إيلاما هي تلك التي تكفلت بها الكتائب الإلكترونية وقواعد الحزب وبعض قياداته، لما تحمله من نعوت موجعة متهمة إياه بالانبطاح والخيانة، جاعلة منه بن عرفة، وهي الصفة التي سبق لمصطفى الرميد وزير العدل السابق أن رفض بشدة حملها إذا ما عرضت عليه. ورأى كثيرون أن تراجعه عن شروط سلفه، ضرب لمصداقية الحزب وإهانة للناخبين المصوتين لفائدته. مطالبينه بتوضيح دواعي إشراك حزب “الاتحاد الاشتراكي” ضمن تركيبته السداسية، إن كان الأمر يتعلق باختيار شخصي أملته دقة الظروف لتجاوز “البلوكاج“، وتفاديا لكلفته الباهظة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا… أم رضوخا لإرادة “التحكم” أو جهات أخرى تريد تصفية حساباتها مع بنكيران…
وكما لا يسلم أي تشكيل حكومي من ملاحظات وانتقادات، فإنه ما إن تم تنصيب الحكومة العثمانية، حتى تحركت الأقلام مرة أخرى منها الجادة، التي تناولت الموضوع بالدرس والتحليل وفي حياد تام، ومنها غير ذلك… فضلا عن اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية، إذ لم تترك شاذة أو فادة إلا وسلطت عليها الضوء، كما فعلت ب“الماء” الذي أسند تدبيره لست وزارات…
قد يتفهم المرء درجة الاستياء لدى المواطنين، جراء ما بات يسم المشهد السياسي من عبث، وغياب معارضة قوية تقوم بدورها الدستوري ووفق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، في مساءلة الحكومة المنتهية ولايتها عن حصيلتها ومدى التزامها ببرنامجها الحكومي، وعما تحقق من الملفات المرتبطة مثلا بالتعليم والصحة والقضاء والشغل والإدارة ومحاربة الفساد… وألا يقف الأمر عند حدود الفضائح والإخفاقات السابقة، بل أن يمتد إلى ما جرى من هدر للزمن السياسي، وتفويت فرص اقتصادية وتنموية على بلادنا خلال نصف عام من “البلوكاج“، وما ترتب عنه من عطالة المؤسسات وتأخير المصادقة على مشروع القانون المالي برسم عام 2017، وانعكاسات ذلك على المقاولات والتسيير والاستثمار…
وأن يتغاضى عن جدوى الانتخابات، والأسباب التي حالت دون تقليص عدد الحقائب الوزارية البالغ 39 حقيبة، رغم دمج عدة وزارات ك: وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة الثقافة والاتصال، ووزارة السياحة والصناعة التقليدية، ووزارة التعمير وإعداد التراب الوطني والسكنى وسياسة المدينة. وحذف الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة ونظيرتها المكلفة بالميزانية. وانعدام تناسب عدد المقاعد البرلمانية بالحقائب الوزارية، واحتفاظ الحكومة ب19 وزيرا من سابقتها، لدرجة بدت معها أقرب ما تكون إلى تعديل حكومي موسع منه إلى حكومة جديدة…
بيد أن ما لا يمكن استيعابه أن يتعرض العثماني للقصف من لدن قواعد الحزب وبعض قيادييه، والمطالبة بعقد جلسة استثنائية فورية ل“برلمان الحزب“، قصد توضيح ما يعتبرونها نقطا مبهمة، كتغيير مناصب وزراء في الحكومة السابقة بأخرى… ورغم أن الرجل سارع إلى عقد سلسلة من اللقاءات المارطونية لتهدئة الأوضاع، فقد تطورت الأحداث في اتجاه تنظيم وقفة احتجاجية أمام المقر المركزي، لولا تدخل الأمين العام بنكيران، الذي ربما أراد أن يظهر ل“المتشفين” أنه مازال على قيد الحياة السياسية رغم استقالته من مجلس النواب، وأن كلمته ستظل هي العليا في الحزب…
فخيارات العثماني ليست في الواقع سوى رجع صدى للأمانة العامة، مهما حاولوا حجب الحقيقة عن الناس، حيث لم يعد ممكنا انطلاء حيلهم وازدواجية خطابهم على أحد بعد تجربتهم الفاشلة. فبنكيران والعثماني وجهان لعملة واحدة، وليس بينهما اختلافات مذهبية ولا تناقضات ايديولوجية. وبعيدا عن الغاضبين الذين قدموا استقالاتهم أو جمدوا عضويتهم، ف“الحرب” الدائرة رحاها مجرد مسرحية هزيلة، يراد منها الحفاظ على الكتلة الناخبة، عبر مواصلة أساليب التضليل والمظلومية ونظرية المؤامرة، وسعي المحبطين إلى انتزاع وعود بالاستوزار في المرحلة القادمة، أو استفادة المقربين من حصة الدواوين الوزارية.
فعن أي شرعية انتخابية يتحدثون، في وقت يتشبثون فيه بحزب لم يحصل سوى على 12 مقعدا، وتمتيعه بثلاث حقائب وزارية مهمة في الصحة والسكن والماء، بينما الحزب الحاصل على 20 مقعدا والذي أقاموا ضده الدنيا وأقعدوها، لم تمنح له إلا ثلاثة مناصب لا ترقى إلى مستوى وزارات؟ ألا يعتبر مثل هذا السلوك قمة في الانتقام؟ ثم كيف يريدون لحكومة يقودونها أن تكون قوية وتكمل ولايتها بسلام، في ظل هجمتهم الشرسة على أحد مكوناتها؟
اسماعيل الحلوتي