مسارات الارهاب في مصر.. رؤية تقييمية
مسارات الارهاب في مصر.. رؤية تقييمية
تشير الاعمال الارهابية التي شهدتها مصر مؤخرا، والتي كان آخرها اطلاق الرصاص على سيارة شرطة في مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، الى فقدان الجماعات الارهابية عنصر المفاجأة والكثير من قوتها وجاهزيتها، ومعاناتها من الحصار الامني فوق كل شبر في مصر، تحت وطأة الضربات الأمنية المتلاحقة، والاحتياطات الامنية المشددة، بما يعني وصول المواجهة الامنية مع الارهاب في مصر الى المرحلة الاخيرة.
ظهر هذا بوضوح في حادث رفح الارهابي؛ حيث استخدمت الجماعات الارهابية 12 سيارة، منها سيارتين مفخختين، في الهجوم، وإستطاعت قوات الجيش صد الهجوم وقتل 40 ارهابيا وتدمير كافة السيارات المشاركةـ؛ مما يشير الى ان الهجوم الارهابي كان مجرد عملية انتحارية تهدف الي إثبات الوجود وادعاء تحقيق نصر معنوي وإعلامي؛ وليس عملية للسيطرة والتمركز على الارض؛ وهو كان هدف استراتيجي للتنظيم؛ الامر الذي يمثل تراجعا في اهداف الجماعات الارهابية؛ وتحولا في استراتيجيتها بسيناء يجب قراءته بالصورة الصحيحة، خصوصا مع انخفاض عدد العمليات الارهابية في شمال سيناء من ١٢٠ عملية ارهابية عام 2015، الى ٦ عمليات ارهابية خلال النصف الاول من العام الجاري؛ أغلبها؛ بإستثناء حادث رفح الاخير؛ عمليات تفخيخ وقنص محدودة.
وفي حادث البدرشين، اطلق الارهابيون النار على سيارة شرطة في احد شوارع المدينة، مما يشير الى ملاحظتين في السياق ذاته، الاولى: عجز التنظيمات الإرهابية عن المضي قدما في سياسة استهداف مديريات الأمن وأقسام ومراكز الشرطة، بعد التفجيرين الكبيرين في مديريتي أمن الدقهلية والقاهرة عامي 2013 و2014، حيث يعكس انتقال الجماعات الإرهابية إلى الهجوم بالأسلحة النارية على الدوريات الأمنية الثابتة أو المتحركة، تزايد قدرة الشرطة على حماية مقار الامن ضد محاولات الهجوم عليها بالعبوات الناسفة أو بالعمليات الانتحارية أو بالأسلحة النارية، وعمليات الحصار والتضييق الامني المستمر ضد العناصر الارهابية، والتراجع والضعف الملحوظين في القدرة البشرية والتسليحية للمجموعات الإرهابية.
الثانية: ان أغلب الاعمال الارهابية ضد قوات الشرطة تتم في المناطق السكنية الواقعة على أطراف محافظتي الجيزة والقليوبية، وهي مناطق معروفة تاريخياً بوجود نشاط تنظيمي لجماعة الإخوان وحلفائها من الجماعات الإرهابية الأخرى، وفي أغلب تلك الحوادث، نجحت قوات الامن في القبض على مرتكبيها وتقديمهم للقضاء.
اما حادث الغردقة، والذي قام خلاله احد الاشخاص بطعن عدد من السائحات الاجانب على شاطىء أحد فنادق المدينة، فهو مجرد حادث فردي تم خلاله القبض على المتهم، وتشير المعلومات الاولية انه حادث جنائي؛ وتتمتع كافة القرى والمنتجعات السياحية في مصر، بتأمين شامل يوفر أقسى درجات الحماية الامنية للسائحين، بدليل عجز الجماعات الارهابية عن تنفيذ اي عمل ضد المنشأت السياحية في البلاد؛ مقارنة بالحوادث التي استهدفت أماكن سياحية في دول أوروبية عديدة؛ وأوقعت عشرات القتلى والجرحى.
لقد إقتربت مصر من استئصال قوى الارهاب، التي أصبحت ظاهرة تعاني منه اغلب دول العالم؛ ولم يبق الا جيوب إرهابية صغيرة في شمال سيناء تتحصن بالمدنيين؛ وخلايا ارهابية نائمة في بعض المحافظات؛ يتم إكتشافها والتعامل معها بحرص في حدود القانون وحماية حياة المدنيين، وإستقرت أوضاع الشارع المصري؛ وتعزز الشعور بالامان والثقة لدى المواطنيين والزائرين، بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي عانت منه البلاد بعد ثورة 25 يناير، وما تلاها من تحولات، بدعم وتخطيط قوى خارجية وداخلية، وهو ما أسهم في تدفق السائحين على مصر من جديد، وتعافي الحركة السياحية ووصولها الى معدلاتها الطبيعية، الى جانب تضاعف معدلات النمو الاقتصادي من 2% خلال السنوات الاربعة السابقة؛ الى 4.5% عام 2016؛ وإنخفاض معدلات البطالة من 13.4% الى نحو 12%؛ وتحسن ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمي الذي يصدره “المنتدى الاقتصادي العالمي”، للمرة الاولى منذ خمس سنوات؛ وهو إعتراف دولي بتحسن مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية بالبلاد.
عبد الفتوح