المريزق يرد بقوة في رسالة نارية الى حامي الدين
مفتوحة إلى السيد حامي الدين
د. المريزق المصطفى، مكناس الزيتونة
هاأنذا من جديد..
أحب أن أشير أولا، إلى أنني لا أرى ضرورة للرد على منفذة التوجهات و الأوامر التي تحظى بها قريحتك.
أريد فقط أن أكلمك بصوتي الخاص، و أرجو ألا أكون ظالما إذا قلت لك إنها سمتي التي تعرفها جيدا منذ أن كتبت بداية مشوارك الطلابي بالمشاركة في تصفية اليسار الطلابي القاعدي (حسب التهم القضائية التي وجهت اليك في قضية قتل المناضل القاعدي ايت الجيد) الذي لازال كابوسا يجثم فوق صدرك و يضرب رأسك بمطرقة فيثقل جفونك.
لم يكن في يوم ما موقفك من اليسار موقفا أبله.
و سيكون من البديهيات إذا قلت لك كان عليك منذ أن رمت بك الصدفة في دائرة النخب المصطنعة، ان تبسمل 10 مرات كل يوم قبل النوم و تطلب التوبة و المغفرة من عائلة الشهيد أولا، و من عائلة اليسار ثانيا، و من عشاقه و المعجبون به ثالثا.
كما لن أطلب منك أن تترحم كل جمعة على أرواح شهداء الشعب المغربي الذين مهدوا الطريق بدمهم و بأرواحهم لأمثالك كي تنعم بمغرب الحرية و حرية الرأي و حرية التعبير.
لن أطلب منك الاعتراف بما قدمته العائلة اليسارية أبا عن جد للوطن و للمغاربة، من دفاع على الحقوق و انتزاع المكتسبات التي تنعم بها أنت و أمثالك الذين ينهلون من فسيفساء الدينية و الطائفية “العائشة في الماضي” و “العاجزة عن تجاوز العصر” و “المستسلمة للرجعية و التخلف”، ضد الوحدة الاجتماعية و هدم المؤسسات الرجعية و التحرر من مختلف أنواع الحرمان و الاستبداد.
نعم، اليسار لم يستغل الدين، و لم يروج للخرافة المبنية على العصبية. اليسار آمن ب “دين الانسانية” كذلك، و عرف بماركس و نيتشه و تولستوي. و لهذا، لم يجد الورود مفروشة في طريقه، بل لقي اضطهادا ممنهجا بسبب تموقعه ضد سياسة النظام اللاديموقراطي و اللاشعبي. “وفين كاين المشكل؟”.
إن اللغة التي تتحدث بها دائما عن اليسار، تبين بالملموس أن الخوف يسكن بطنك، و انك لم تناضل يوما ما في حياتك إلا ضد اليسار.. و ليس ضد الاستبداد و الإقصاء و الأحادية الفكرية.
لا زلت مسكونا بالنظام و مهوسا بمنبتك الوثني، بدل الاصطفاف ضد الإفلاس الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي، مما يجعلك في حيرة بين الاعتراف بماضيك و التصالح معه و الانحناء أمام أئمة اليسار، و بين التموقع في خندق الرجعية و التخلف.
لن أذكرك بسنوات الفولاذ و بضحايا الرصاص و بحرائق الجمر،لأن ذاكرتك قصيرة، لا تتذكر سوى جنود الصدر الأعظم الذين نفذوا جرائم ناجحة ضد اليسار الذي تنعته بالتطرف و ذو ميولات معادية لطبيعة النظام.
و انا أتعجب كيف لمنظر “الحركة البيجيدية” أن يقول مثل هذا الكلام. اليسار كان صاحب قضية و كان معاديا للنظام و أذنابه، و “فين كاين المشكل؟”.
اليسار لم يكن ذو ميولات..، اليسار كان معاديا لنظام القمع و المعتقلات السرية و العلانية، و أدى الثمن على مواقفه و انتصر كما تعلم أنت و قبيلتك، و انتزع شرعيته النضالية ليس ب3 أيام من السجن التي يتغنى بها أمينك العام، بل بصموده و بقوته الفكرية و العملية و النضالية لما يزيد عن 60 سنة.
بل أصبح جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي المغربي -العربي و العالمي المؤمن بالتقدم و الديمقراطية و الحداثة.
و من جهة أخرى، أتعجب و الله!.. إن كنت تقول هذا الكلام عن اليسار المغربي، ماذا تقول عن عبد الرحمان الكواكبي الذي رفض كل طائفية و تعصب مذهبي و أظهر بوضوح تام ضرورة فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية؟ و ما موقفك من الكواكبي الذي شدد على ضرورة مقاومة الاستبداد المطلق و تحرير الناس من التعصب و الجهل و التخلف و النفاق؟ و هل يفزعك (الكواكبي) هو الآخر، و هو يعري “الاستبداد الاجتماعي المحمي بقلاع الاستبداد السياسي”؟
أما كلامك عن الهوية العربية، هو هراء إعلامي و بلاهة سياسية. و لا أدري من أي مدرسة خرجت مقاربتك لتتحدث عن اللغة الأمازيغية كلغة متطرفة معادية للهوية العربية؟
السيد عبد العالي حامي الدين..
إن النقاش حول الهوية ليس بالأمر الهين، و عليك أن تتعلم أبجديته التاريخية و الأنثروبولوجية و السوسيولوجية، قبل الخوض فيه. و من الأفضل لك أن لا تحشر مثل هذه المواضيع في تصفية حساباتك الانتخابوية.
الهوية مهما كانت خصوصيتها فهي غير ثابتة. إنها متحولة، و يجب أن تكون معيارا لتحقيق المساواة و القضاء على الفوارق الطبقية، و ضد ما تكرسه أنت و قبيلتك على مستوى استعانة المستبدين بالدين و إطفاء نور الحداثة التي خرجت من رحيم العلم.
السيد عبد العلي حامي الدين..
إنك تذكرني كثيرا بتلامذة جمال الدين الأفغاني، الذين تشبعوا بروح الازدواجية التي نال عنها (الأفغاني نفسه) تكريما خاصا من طرف الطاغية الأشهر السلطان عبد الحميد.
و للتذكير، كان جمال الدين الأفغاني يحرض على الثورة في النهار، و يتعاون مع السلاطين العثمانيين في الليل. يدعو لتوحيد الإسلام و المسلمين في الصباح، و ينشط العلاقات بين المسلمين و الانكليز ضد روسيا مساء.
أما بخصوص، اللغة الأمازيغية، فمنذ أن كانت و هي لغة كباقي اللغات العريقة و القديمة قدم الإنسان. و اتهامها بالتحريض على الانفصال هو كلام خطير يشبه مغاربة الشمال بالأقليات التي تضغط على النظام لتحقيق أغراض معينة.
لم نسمع في المغرب يوما ما أن سكان جبالة يطالبون بانتخابات إقليمية، بل طالبوا تاريخيا بانتخابات نزيهة في إطار أساس و مبادئ و سيادة المغرب. و طالبوا و لا زالوا بحقهم في الثروة و في البنيات الأساسية و العيش الكريم، و مساهمتهم في وحدة المغرب و المغاربة دليل قاطع على تخوفك منهم.
فلماذا تخاف الأمازيغية و الأمازيغيين؟
إن اليسار الأمازيغي ضحى بالغالي و النفيس من أجل القضية الأمازيغية، و استطاع أن يجعل منها محور استقطاب أغلب فعاليات المجتمع المغربي، من جمعيات و مثقفين، و تنظيمات سياسية. حيث كانت النتيجة ميلاد حركة ثقافية جنينية، أغنت الساحة الفكرية و الإبداعية المغربية بأسس النضال من أجل الحقوق اللغوية و الثقافية، و هو ما جعلها تحظى بمكانة متميزة في مسار النضال الديمقراطي الذي تخوضه الجماهير الشعبية عبر إطاراتها الجمعوية و الحقوقية و النقابية و السياسية الوطنية و التقدمية، و الاعتراف بالأمازيغية ككيان له حقوقه الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، “و فين كاين المشكل؟”.
السيد عبد العلي حامي الدين..
إن الاهتمام المتصاعد بالقضية الأمازيغية و بقبائل جبالة، هو اهتمام باللغة و الثقافة و الهوية و الخصائص الجهوية، و هذا ليس ترفا فكريا و لا مزايدة سياسية. انه اهتمام بالمغرب العميق و بضحايا الكولونيالية و الاستقلال الشكلي.
كل المغاربة اليوم يقرون بوجود مناطق مغربية عانت من الجوع و التهميش و الحرمان و العزلة أزيد من 100 سنة.
إن الطبقات السائدة و دولتها المخزنية، هي التي دفعت أزيد من نصف المغاربة للعيش خارج المؤسسات ( الزوجية و الدينية و السياسية و الثقافية)، و استحوذت على أراضي الفلاحين الفقراء و حرمتهم من تواجدهم المادي فوق أرضهم و منعتهم من تشكل هويتهم.
السيد حامي الدين..
كان عليك ان تتساءل لماذا لا يوجد حزب العدالة و التنمية في جبالة و و منطقة اكتامة و الريف؟
كان عليك ان تكد و تجتهد لفهم التطورات التي شهدتها هذه المناطق قبل و بعد الاستعمار، و أحكامك السياسوية تظهر انك لم تقرأ عنها حتى ما قرأه عامة التلاميذ و الطلبة في دروس الجغرافية و التاريخ.
نعم، بني زروال، و عامة جبالة و الريف و اغمارة ( المعروفة بحاميم الغماري الذي ادعى النبوة في المغرب الأقصى) و مناطق أخرى، ظلت إلى عهد قريب تحمل إسما جريحا “بلاد السيبة” بالنسبة للبعض ، و عنوان لنمط إنتاج اسمه “النمط الجماعي” الذي شكلت الأرض و الماء قطبه الأساس. و هذا ما سماه السوسيولوجيون الأساس المادي للهوية الجماعية لهذه المناطق.
هذه المناطق أصبحت اليوم معروفة عالميا بزراعة النقب الهندي، “و فين كاين المشكل؟”.
و هي المناطق التي وجد الاستعمار صعوبة كبيرة لإحتلالها. و لولا تحالف الاستعمار مع المخزن، لما أخمدت المقاومة و معارك جيش التحرير.
القنب الهندي معطى تاريخي و حقيقة واقعية، و أبناء هذه المناطق هم أولى بالدفاع عن عائلاتهم و أخواتهم و إخوانهم، “و فين كاين المشكل؟”.
بالأمس دافعت حتى الثمالة على الطبقة العاملة، و آمنت بديكتاتورية البروليتاريا عقودا من الزمن، و لا زلت أومن بدور هذه الطبقة في التغيير و صناعة التاريخ.
كما ناضلت و لا زلت من أجل الفلاحين الفقراء، المزارعين المتشبثين بأرضهم حتى الموت. هؤلاء الأحرار يزرعون “العشبة الخضراء” لسد رمق العيش و لإعادة إنتاج قوة العمل لضمان العيش رغم الحكرة و العزلة و الاستبعاد الاجتماعي.
السيد حامي الدين..
كان عليك أن تتساءل هل هؤلاء مغاربة أم أجانب؟ و لحكومة حزبك كل الإمكانيات لتنظيم استفتاء شعبي في بلاد “العشبة الخضراء” حول الانتماء للوطن. لكن قبل الاستفتاء يجب أن نشرح لهم مكونات و خصائص الانتماء إلى الوطن.
فمن منا يدعو للتمرد على الدولة و يهدد العيش المشترك للمغاربة، و يمهد للانفصال في الشمال؟
و بخصوص هذه النقطة، سأجيبك بكل صراحة. نعم، كفى من الحكرة.. سنبقى نناضل مدى الحياة من أجل أن تكون بني زروال و جبالة عموما و الريف و كل شمال المغرب مثل باقي مدن المغرب: الرباط و البيضاء و مراكش و فاس،ألخ. “وفين كاين المشكل؟”.
سنكون جنبا إلى جنب نضالات إخواننا الفلاحين و المزارعين للقنب الهندي و مستعدون لمناصرتهم و الدفاع عنهم، لأننا جزء منهم و مؤمنون بعدالة مطالبهم، “و فين كاين المشكل؟”.
و أخيرا، الرسالة الحقيقية التي يجب أن تؤمن بها هو أن التاريخ و الواقع و الأحداث الاجتماعية و السياسية، عرت بما فيه الكفاية حزبك و المنظومة التي ينتسب لها، و أن المستقبل سيكون لهؤلاء الفلاحين و لكل المستضعفين في هذا البلد. و أن تهمة اليسار و الامازيغية و الانفصال لم تخيفنا حتى أيام نظام الجمر و الرصاص بكل ترسانته و أجهزته، فبالأحرى أن يخيفنا اليوم حكم من جاء للسياسة من دهاليز المخابرات و الاستعلامات العامة، ليمدد شرعية ما تبقى من المخزن و الكلونيالية.
إن مؤسسات ما بعد دستور 2011، تعترف بالمطالب اللغوية و الثقافية الأمازيغية، و تعترف بكل المغاربة الذين صنعوا بلادنا و ساهموا في كل أوراشها الإصلاحية، و ساهموا في الانفتاح السياسي و الاقتصادي و الثقافي، و حافظوا على استقرارها المتنامي.
إن مغرب اليوم، يعاني من أزمة شرعية حكومية، منذ فشل تجربة “التناوب”، و على الصف الحداثي و الديمقراطي أن يدرك هذه اللحظة التاريخية و يعالج النقص المتزايد في الساحة السياسية، من أجل قطع الطريق أمام كل أساليب التخويف و الترهيب و زرع البلبلة في صفوف المغاربة و محاولة التفرقة بينهم.
السيد عبد العلي حامي الدين..
أقولها لك بكل فخر و اعتزاز، سأبقى مناضلا ووفيا لكل الفلاحين المزارعين للقنب الهندي في بني زروال و عموم جبالة و الريف و شمال المغرب، كما كنت و لا زلت مناضلا من أجل مغرب الكرامة و الحرية و المساواة العدالة الاجتماعية من دون مساومة، و من أجل عالم يسوده السلم و الأمن و حقوق الإنسان و توزيع عادل للثروات.
و هذا ليس بجديد علي. أذكرك أنه بعد خروجي من السجن في منتصف التسعينات، أول ما قمت به في منطقتي بني زروال، هو إنجاز روبرتاج/تحقيق، حول بداية زراعة القنب الهندي في المنطقة و ظروف و أحوال الفلاحين. و كان ذلك بشراكة بين جريدة “الزيتونة” التي كنت أديرها، و الإذاعة البريطانية “البي.بي. سي” التي خصصت حيزا مهما للمخدرات في المغرب و تداعيات ما عرف آنذاك بحملة مناهضة التهريب في الشمال المغربي، من خلال الروبرتاج المذكور ضمن برنامج “أضواء”. و هو البرنامج الذي اعاد نشره آنذاك الصحفي أحمد خيري على صفحات جريدة “النشرة” المغربية، العدد 133/20-26 أبريل 1998. و هو ما كان قد عرضني للعديد من المضايقات، غادرت على إثرها المغرب لأعود إليه من جديد، و أستقر في مدينتي الثالثة، مكناس الزيتونة منذ 2008، و “فين كاين المشكل؟”