تحصين الحرية لمنتوج جيد
يونس مجاهد
يحتفل الجسم الصحافي، اليوم، ومعه كل الفاعلين المعنيين بحرية التعبير والصحافة، باليوم الوطني للإعلام، الذي يخلد لذكرى ظهير الحريات العامة، الذي رأى النور، سنة 1958، والذي شمل أيضا قانون الصحافة، وكان ذلك بمثابة أول محاولة لتنظيم مجالات حرية التعبير، في السنوات الأولى لحصول المغرب على الاستقلال.
ويمكن القول، إن هذا الظهير تضمن مكتسبات هامة، إذا قرأناها في سياقها آنذاك، سواء الوطني أو الإقليمي. غير أن وجود قوانين متقدمة لم يكن كافيا لتكريس ممارسة الحريات في أرض الواقع، حيث شهد المغرب حملات من القمع والتضييق، ضاربة بالقوانين عرض الحائط، بل حتى القوانين نفسها عرفت تراجعات منذ الستينيات وتواصل الأمر في السبعينيات.
لذلك، فإن التجربة تؤكد أن تبني قوانين، قد تكون جيدة، لكن هذا غير كافٍ ما لم تتوفر وسائل تطبيقها، على مستوى الإرادة السياسية، ونزاهة القضاء، ووجود موارد بشرية ولوجيستيكية، لضمان حسن التنفيذ، وهذا ما غاب في تطبيق قانون الصحافة، بمختلف صيغه.
ومن المؤكد أن الإشكال مازال مطروحاً إلى اليوم، حيث إن ممارسة حرية الصحافة، لا تتوقف فقط عند القانون، رغم أهميته، بل تتجاوزه إلى محاور أخرى لا تقِلّ أهمية، وتتعلق بقدرة المقاولات الصحافية والمؤسسات الإعلامية، على تقديم منتوج جيد، على المستوى المهني والأخلاقي، يعتمد صحافة البحث والتقصي، يتيح تعدد الآراء، يكون منبرا للكفاءات والمساهمات المتينة في التعليق والتحليل وإلقاء الأضواء الكاشفة على القضايا، ذات الأهمية بالنسبة للمجتمع، على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
لذلك، فالجزء الظاهر في حرية الصحافة هو القوانين، لكن الجزء الأهم، هو ذلك الذي لا يطفو على السطح، والمتمثل في كيفية تفسير القوانين وتأويلها من طرف القضاء، وفي الأداء المهني، وفي النموذج الاقتصادي للمقاولات والمؤسسات، وفي البيئة التي تنشط فيها المهنة، على صعيد الحق في الوصول للمعلومات وغيرها من الشروط الديمقراطية الضرورية، لتفعيل الحريات.
هذه الشروط هي التي ينبغي الانكباب عليها، من طرف السياسات العمومية، ومن طرف مختلف الفاعلين، خاصة وأننا اليوم أمام تدفق ضخم للصبيب الرقمي، فيه الجيد والرديء، لكن الخطر هو أن تسود الرداءة، كعملة رخيصة في السوق، لذلك وجب تكاثف الجهود لتحصين الحرية، بالمنتوج الجيد.