الى وزيرة الإسكان فاطنة الكيحل…أدعوك الى المبيت ليلة واحدة في صناديق الإسمنت التي سميناها سكنا اجتماعيا،
ليست مبالغة السيدة الوزيرة
بديعة الراضي
أدعوك السيدة الوزيرة المكلفة بالإسكان ، إلى مرافقتي في ليلة باردة لقضاء ليلة في شقة من شقق سكننا الاجتماعي الاقتصادي، واختاري السيدة الوزيرة من بين تلك الشقق ما بدا لك من الطوابق الأرضية أو تلك التي بنيت في الهواء على أعمدة غير آمنة.
لا عليك السيدة الوزيرة ، سأكون حريصة على إبلاغ الجهات المختصة كي توفر لك ممرا آمنا ، خوفا عليك سيدتي من حركات شاب، فضل أن ينسى برودة زنزانة والديه في أحياء سكننا الاجتماعي، بتجرع ما تبقى من نبيد رخيص كان في حوزة جاره حارس الضيعة المجاورة، مضيفا إليها حبات”القرقربي” المتسلل إلى ظلام الأحياء العشوائية بإمتياز، تلك التي سميناها سكنا كي نصدق أننا تخلصنا من “البراريك القصديرية” ومعها الأصوات التي احتجت يوما ما على” عيشة الدبانة في البطانة”.
لا عليك السيدة الوزيرة، سأكون فداءك، وأمد خدي ليد تحمل سكينا أو ماشابهه، تلك التي لن تهدأ، إلا إذا رأت الدم يسيل من وجه امرأة، أو رجل ،فالأمر سيان بالنسبة لشاب حمله التيه إلى إنجاز الجرم في الزمن الخاطئ.
وألح على هذه الدعوة، وسأكررها حتى أقنعك سيدتي ، وأعرف أنك لن ترفضي ذلك ، لهذا فأنا أرفع اليوم رسالة بخصوصها إلى معاليك، بعدما تتبعت جوابك على سؤال الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين حول مراقبة الحكومة لجودة السكن الاجتماعي والاقتصادي، ذلك الذي ترافع بخصوصه أخينا محمد علمي، واخترت السيدة الوزيرة أن تنعتي مرافعته بالمبالغ فيها ، رغم اتفاقك على أن هناك أمورا واقعية وصحيحة.
لهذا السيدة الوزيرة ، أراسلك بخصوص المبيت في شقة علال أو محمد أو السعدية، أو ما شئت من أسماء شعبنا المهان في صناديق الإسمنت التي سميناها سكنا اجتماعيا، سيخرج البلد من عشوائية رسمت ملامح سيئة على محيانا، في زمن سوق علق، وسوق “مينة”، وقس على ذلك ماشئت من الأسماء ، التي وشمت في عقولنا حتى حفرت بئرا في مخيلتنا كلما أردنا أن نستحضر زمنا فات.
لكن وأنت تلبي طلبي، أعديني السيدة الوزيرة أن تصمدي، عندما يتسرب ماء المطر الممزوج بماء المجاري إلى رجليك، ومنها إلى كامل جسدك ، مخترقا الغطاء البسيط الذي استطعنا أن نوفره لك ضيفة عزيزة على وكرنا، وأن لا يصيبك الخوف عندما يطفأ النور فجأة ، لأن الأسلاك التي أتبتها المنعش العقاري عبر الشركة التي تعاقد معها ، أو تلك التي تعاقدت بدورها مع شركة أخرى، والتي وضعت الأسلاك بدورها بشكل عشوائي مطبقة المثل الشعبي الذي يقول :”عند رخصو تخلي نصو” ، غير مبالية بالكوارث التي يمكن أن تحدث أمام هذا الإهمال بإسم “السكن الرخيص”، للمواطن الأكثر رخصا في زمن المتاجرة بكل شيء حتى بأرواح البشر، فما بالك بالمجال.
ولكي نعيش الكابوس معا سيدتي، أو الحلم الذي حوله تجار الحجر والإسمنت إلى مأساة في عيون شعبنا الحالم “بقبر الحياة” ، أقترح عليك السيدة الوزيرة أن نقضي ليلة في بيت “محمد”، وأرجوك ألا تضعي منديلا على أنفك، لتعيشي الزمن القصير في استنشاق روائح المجاري التي تسرب ماؤها إلى مطبخ الرجل قهرا ، ليظل على الحال نفسه مدة سنة ، ولم تشفع له دموعه تلك التي اختار التعبير بها أمام مقر الشركة التي تخلت على كافة التزاماتها في العقد الذي تقولين عنه السيد الوزيرة أنه ملزم للمنعشين العقاريين. فأي جودة تقرئينها في الأوراق التي أعدها مكتبك ، وأي سلامة في البناء، وأي مواصفات هندسية وعمرانية.
يجب السيدة الوزيرة أن نقول الحقيقة كل الحقيقة لشعبنا، أننا سلمنا رقابهم للفاسدين الذين طردوا الشرفاء من المجال، و بصفة الكبار -التي وظفوا فيها حاجتنا إلى “قبر الحياة” وإرادة بلادنا في تحقيق الحلم- استصغرونا، قزمونا، وكدسونا في علب إسمنتية، وأبعدونا في مجال غير مقروء، وكأننا عالة على الأنوار البهية، ليختاروا لنا الظلام ، لا مدارس ولا نقل ولا مرافق للحياة، وهي الفضاءات التي لا يمكن أن تنتج إلا الكره الاجتماعي والتطرف والإنحراف، وكل المظاهر التي ليست في الأوراق التي قرأ تيها السيدة الوزيرة، في جلسة منقولة على الهواء.
فاحتفظي سيدتي الفاضلة بكل أوراقك وانزلي إلى الواقع، لتتخلصي من كل ما جاء على لسانك أمام نواب الأمة وأمام من تابعوك من ، فرئيس فريقنا محمد علمي نقل جزءا من حقيقة، و لم يسعفه الزمن في استكمال مرارتها المكرسة بالفعل والقوة في مجالات صناديق الإسمنت التي مازالت مشاريعها تبحث عن فضاءات أخرى، والتي لن تنتج إلا أزمة في وطن نريد أن نبني نموذجه التنموي ، إقرارا بفشل، من أجل لبنة مختلفة لبناء مختلف .