وجه الملك محمد السادس اليوم السبت رسالة إلى المشاركين في الدورة السنوية لمنتدى كرانس مونتانا التي تستضيفها مدينة الداخلة، للمرة الخامسة على التوالي، والتي تتمحور حول موضوع “بناء قارة إفريقية قوية وحديثة في خدمة شبابها”.
الرسالة الملكية تلاها رئيس رئيس جهة الداخلة وادي الذهب الخطاطا ينجا.
واكد الملك “إن انعقاد هذه الدورة من جديد، والتي نتمنى لأشغالها كامل النجاح والتوفيق، لدليل على الترسيخ المستمر لمكانة منتدى الداخلة. فقد أصبح منذ خمس سنوات، موعدا هاما لإعمال التفكير، وللبحث عن حلول ملموسة ومبتكرة، كفيلة بتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة….”
واعتبر الملك انه و” ….خلال بضع سنوات فقط، أضحت مدينة الداخلة تُشع بلا منازع، كأرض للقاء، وملتقى للحوار. هذا الزخم الذي تتسم به هذه المدينة الجميلة والمضيافة، يعد رمزا لقارة إفريقية قادرة على مواكبة، بل ومضاهاة، المعايير الدولية.
واضافت الرسالة الملكية…”إن رفع تحديات إفريقيا، سيكون له بالضرورة أثر على الرهانات الجيوستراتيجية الدولية والتحولات الجارية. لقد حان وقت إفريقيا، فالقرن الحالي ينبغي أن يكون قرن إفريقيا بامتياز.
إن ما يبرر هذا الاقتناع بالدرجة الأولى، هو ما تتسم به هذه القارة من حيوية ديمغرافية، إذ أن ساكنتها هي الأكثر شبابا. فتسارع وتيرة التحول الديمغرافي، يدعونا إلى إطلاق مشاريع تنموية كبرى، كفيلة بتغيير واقع القـارة، سواء في ميادين التعليم والصحة، والفلاحة والبنية التحتية، أو في مجال محاربة الفقر.
كل هذا يشكل تحديات يتعين على إفريقيا رفعها، من أجل ضمان بزوغها وانبعاثها. فمتوسط العمر في إفريقيا الآن، لا يتجاوز التاسعة عشرة. وهذا الجيل من الشباب، هو الذي سيبني إفريقيا الغـد، وهو الذي سيساهم في توطيد السلم والاستقرار، وفي تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة. تقول الرسالة الملكية.
وأضاف الملك….” لكن شبابنا في حاجة إلى العناية به، وتكوينه، وتحميله المسؤولية، بل وإعطائه ما يستحق من قيمة.
أجل، ينبغي تكوينه من أجل تحويل ما هو متاح اليوم، من مؤهلات وإمكانات اقتصادية، إلى واقع ملموس غدا. فكل إخفاق في هذا المجال، سيكون وبالاً على قارتنا وعلى مناطق أخرى أيضاً.
فهجرة بعض شبابنا نحو آفاق أخرى، في ظروف محفوفة بالمخاطر، بحثاً عن غد أفضل، لا ينبغي أن تصبح قدراً محتوماً، ولا عنواناً لإفريقيا فاشلة.
إن مصلحتنا المشتركة، تقتضي العمل على تنزيل حلول وجيهة ومناسبة، حتى يرى شبابنا مستقبله في إفريقيا، ومن أجل إفريقيا.
وقال الملك في رسالة” إن المملكة المغربية تدرك أن القارة الإفريقية تختزن الكثير في جعبتهـا،….وأن لديها ما يكفي من القدرات والمزايا، للتطور والالتزام والانخراط، بكل جرأة وعزم، ولتحقيق التغير الجذري. فقارتنا سائرة على درب التقدم، ونهضتها أضحت واقعاً ملموساً.
لقد اختارت إفريقيا نهج الانفتاح، من خلال رفضها لمنطق النهب والاستغلال الصارخ لثرواتهـا، مع الحفاظ على قيم التقاسم والتضامن، التي تميز ثقافاتها العريقة.
ومما جاء في الرسالة الملكية :
إن التزام المغرب من أجل إفريقيا، ومن أجل تعاون جنوب -جنوب مثمر، ليس نتاج ظرفية معينة، ولا مصالح ضيقة. فمنذ اعتلائنا عرش المملكة، ما فتأنا ندعو إلى تضامن فعال وأخوي، ومفيد بشكل متبادل، لأننا نعتبر قارتنا الإفريقية واجبَنا ومسؤوليتَنا، وفرصتَنا.
فمنذ سنة 2000، قررنا إلغاء مجموع الديون التي قدمها المغرب للبلدان الأقل تقدماً في القارة. كما اعتُمدت تسهيلات لفائدة صادرات هذه البلدان إلى المغرب.
وكان من نتائج ذلك، ارتفاع حجم الصادرات الإفريقية باتجاه السوق المغربية. فقد أبى المغرب، من خلال هذا الإجراء، إلا أن يجسد على أرض الواقع، التزامه بمسؤوليته وواجبه، المتمثلين في انتهاج سياسة تعاون تعود بالنفع على جميع الأطراف.
فمن منطلق الوفاء بهذه المسؤولية، اختار المغرب نهج الانفتاح والتضامن، واليد الممدودة إلى كافة نظرائه الأفارقة ؛ بموازاة اختيار تعزيز ودعم السلام والاستقرار والأمن في إفريقيا.
وإننا على يقين، بأن هذه الشروط ضروريةٌ لإعداد وإنجاح سياسات اقتصادية واجتماعية، تضمن عيشاً كريما، وحياة أفضل لساكنة إفريقيا.
ذلكم اليقين الذي يسعى المغرب من خلاله إلى العمل، سوياً مع أشقائه الأفارقة، ومع أصدقائهم وشركائهـم، من أجل جعل إفريقيا قارة المستقبل. وهذا هو التصور الذي يؤطر عملنا، لاسيما بعد عودة المغرب إلى حضن أسرته المؤسساتية الإفريقية.
فمسؤوليتنا تقتضي وضع إفريقيا على درب التقدم والتحرر، فضلا عن مدها بالقوة التي تبوؤها مكانتها المشروعة في الساحة الدولية. كما يقع على عاتقنا أيضاً، ألا ندخر جهداً في حشد طاقات الفاعلين والقوى الحية، التي ستضطلع بتجسيد هذا المصير المشترك، الكفيل بتحقيق النهضة الفعلية لإفريقيا.
يعرف عالم اليوم اضطرابات غير مسبوقة. من أبرز تجلياتها التحول الديمغرافي، والانتقال الإيكولوجي، والثورة الرقمية، وأنماط التنقل. فعلينا التكيف مع هذا الواقع الجديد، والعمل على تطوير سياساتنا، لما فيه خير شعوبنا، ومن أجل مستقبل شبابنا.
ففي ظل الظرفية الدولية الراهنة، يعد هذا المنتدى أحد فضاءات التفكير والتبادل، التي تتيح تحديد واستيعاب مواطن القوة، والنقط التي تستدعي اليقظة، والقضايا الجديرة بالنقاش.
وكلنا أمل في أن تسهم التوصيات التي سيتمخض عنها لقاؤكم، في بلورة أشكال جديدة من التعاون، وأنماط خلاقة من التضامن والتكامل، تساهم في توجيه القيادات السياسية، وأصحاب القرار الاقتصادي، لما فيه مصلحة إفريقيا.
وإذ نهنئكم مرة أخرى على هذه المبادرة، وعلى هذا الالتزام المتواصل، فإننا نرحب بكم في المملكة المغربية، متمنين لكم مقاماً طيباً في مدينة الداخلة، وكامل التوفيق في أشغالكم.