الانتخابات والأعيان والكفاءات ..إلى أين؟
سياسي/ رشيد لمسلم
إن مقياس الانتخابات ديمقراطيا، يبقى اختيار ممثلي الشعب النزهاء الأكفاء، وطنيا ومحليا، لتحقيق طموحات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي قد تنعكس عليهم ايجابيا من حيث تحقيق التنمية بأبعادها الشاملة.
لكن ممارسة الانتخابات في المغرب منذ الاستقلال، لم تكن لها نتائج ملموسة على مستوى التنمية الشاملة، فلم تتراجع التبعية الاقتصادية، وظل الأداء الاقتصادي لصالح نخبة من الأعيان وأصحاب النفوذ التي تتوسع دائرتهم يوما بعد يوم، بينما ظل الفقر والأمية والبطالة والتهميش يتعمق في بلادنا في كل يوم.
فالمغرب اليوم في حاجة إلى تكتل رصين ناجح، لمواجهة استعمال المال، والقضاء على الفساد، وإنجاح الانتقال الديمقراطي، واستثمار التنوع السياسي الإيجابية الموجود في المشهد السياسي المغربي.
وكذا توسيع مجالات حقوق الإنسان وتقويتها وتفعيلها، والعمل على تطوير وتعميق الإصلاحات الدستورية والسياسية الكفيلة ببناء الدولة الديمقراطية الحداثية، ومحاربة المفسدين، وتفعيل المراقبة والمحاسبة، وإعمال الآليات للتوزيع العادل للثروة الوطنية، وإنجاح الجهوية الموسعة المتقدمة والحكامة الجيدة واحترام القانون.
كما كان الرهان على الأعيان المحليين امتدادا لاعتبار العالم القروي خزانا انتخابيا للدولة، حيث ضعف التنافسية وقلة التسييس، ويسر التحكم في مخرجات العملية الانتخابية، كلها عوامل جعلت الدولة تستطيع تطويق النفوذ الانتخابي للأحزاب غير الإدارية داخل المجال الحضري، وتأمين ثوابت السياسة الانتخابية الرامية إلى ضمان أغلبية موالية دائمة.بين القيادات السياسية والأعيان المحليين، كما كان تقسيم العمل في البداية واضحا وجذريا: الأعيان البرلمانيون يمارسون وظيفةً أقرب إلى الوساطة منها إلى التمثيل، ولا يتعدى طموحهم البعد الإقليمي.
إلا أن المعطيات السوسيولوجيا ستجعلنا داخل المدن مع نوعية جديدة من “أعيان الانتخابات” المختلفة تماما عن مواصفات الأعيان القرويين، من حيث غياب الرأسمال الاجتماعي، والاعتماد المطلق على القدرة على صناعة شبكاتٍ للتأثير، بواسطة وسائل فاسدة في الغالب، ومعتمدة أساسا على منتخبين محليين، ودعم الإدارة عبر برامج التنمية البشرية، لمحاصرة المد الإسلامي.
هنا يتجلى دور الكفاءات التي نادى بها الملك محمد السادس وكيف سيتم دعمهم للترشح في الانتخابات المقبلة وتحميلهم المسؤولية السياسية في إطار من الشفافية والقدرة على التعاطي مع مختلف الملفات المطروحة على الساحتين السياسية والاجتماعية.
لأنه لم يعد خافيا الدور الذي تلعبه المعرفة كعامل حاسم في صنع الكفاءات و في تعزيز المركز التنافسي للمؤسسات، بفعل عملية خلق القيمة التي تتحقق من خلال التفاعلات التي تحدث مابين مختلف مكونات الرأس المال غير المادي، وهو ما يجعلنا ندرك أهمية الدور المتنامي للمعرفة في هذا المجال، باعتبار أنها تأتي في قلب الميزة التنافسية لما يمكن أن تحققه من قدرة على الإبداع، وتحكم في الكفاءات الاستراتيجية.
من دوافع الاندماج و الدخول في اقتصاد المعرفة الإدراك المتزايد للمؤسسات بأن المعرفة تعد موردا أساسيا لخلق القيمة، و التالي يجب استغلالها بشكل جيد و تسييرها بشكل واضح وفعال، إضافة إلى الاهتمام المستمر المعبر عنه من خلال تطور الخطاب لدى الخبراء والمسيرين في إطار اللقاءات العلمية و التطبيقية حول موضوع تسيير المعرفة.
لقد افرز هذا الاهتمام تبني المؤسسات لمجموعة من الأدوات و الإجراءات و النماذج التي تختص بتسيير المعرفة، التي تم تطويرها و انتشارها من خلال التكوين لدى المكاتب و المخابر المختصة، بحيث أصبحت تشكل مرحلة جديدة في التحول الضروري للمؤسسات في مواجهة محيط تنافسي يتسم بالإبداع و الجودة و التطوير،و هي جملة عناصر تأتي ضمن ضروريات التنافسية و تعكس المعرفة و الكفاءة التي يصعب نقلها أو الحصول عليها، إذ تعتبر عامل تميز و متغيرا ذا نصيب كامل ضمن استراتيجية المؤسسة.
فإلى هذا الحد، هل أعدت الأحزاب السياسية لوائح الكفاءات القادرة على إعطاء نفس جديد في الحياة السياسية المغربية من خلال إدماجهم وتبرزيهم في الواجهات الانتخابية؟
أم سيبقى الأمر كما كان منذ حقب من الزمن مرتبطا بالأعيان وبأصحاب الشكارة في ضرب سافر للمنافسة الحرة والصادقة وفي استعلاء عن الخطب الرسمية التي تدعو إلى تعزيز المؤسسات التمثيلية بالنخب والكفاءات القادرة على حمل المشعل وبلورة مداركهم العلمية والمعرفية من خلال هذه التمثيليات الانتخابية التي تعتبر القنوات الحقيقية لتصريف كل نموذج تنموي حقيقي قادر على الصمود والثبات والمواجهة.