دعم الثقافة ومزاجية المظلات البئيسة !
يوسف بورة
الجمعية البيضاوية للكتبيين
من الأعراف المشينة التي ما زالت تعوق انبثاق مجتمع مدني فاعل ومسؤول، هو الخضوع لمزاج الحزبية في مسألة توزيع دعم الدولة للجمعيات العاملة في مختلف المجالات واعتماد مدى قرب تلك الجمعيات من اللون السياسي للمسؤول أو ابتعادها عنه.
وبذلك تصبح برامج الفاعل المدني رهينة لدى الزمن السياسي، وتحديدا الحزبي. إذ يكفي أن تطيح الانتخابات أو التعديلات الحكومية بمنتخب أو وزير ليتنكر من يأتي مكانه لكل الالتزامات التي أقرها من كان قبله، وبينهما تضيع استراتيجيات كل من كان يعول على دعم الدولة أو الجماعات المحلية لمشاريعه وبرامجه. أي أننا باختصار أمام علاقة مرضية بين السياسي والمدني، علاقة قوامها المظلات الحامية والمزاجية والتقلب ونكران الأعمال والاجتهادات. هذا مع العلم أن أموال الدعم هي أموال الشعب والمفترض ان تصرف في ما ينفع هذا الشعب وليس في ما ينفع الحزب والعشيرة السياسية.
وللتوضيح أكثر، نسوق مثال الجمعية البيضاوية للكتبيين والتي تشتغل منذ اثنتي عشر سنة في المجال الثقافي، ورغم هزالة مواردها واعتمادها بالأساس على تمويلها الذاتي، فقد استطاعت أن تحقق بعض الإضافات في مجال التنشيط الثقافي محليا ووطنيا ودوليا من خلال المعرض الوطني للكتاب المستعمل والذي بلغ الدورة 11 حيث ينعقد سنويا ولمدة شهر كامل، وقد أصبح علامة مضيئة في المشهد الثقافي الوطني، وندا للعديد من المواسم الثقافية المماثلة عبر العالم ، ويحظى بمتابعة إعلامية مكثفة ويحج إليه الزوار من جميع أصقاع البلاد، ومن الخارج أيضا.
لذلك حظيت هذه التظاهرة بدعم وزارة الثقافة على دعم مالي قدرة ثلاثون ألف درهم في عهد الحكومة السابقة لمرتين فقط مع بعض وسائل الدعاية من لافتات ومطويات. لكن الجمعية ستفاجأ بحجب هذا الدعم رغم هزالته المفرطة خلال سنة 2018 في الدورة الأولى دون تقديم أي تبرير رغم استيفاء كافة الوثائق والالتزامات. وكنا نحدس منذ مجيء الوزير الجديد في الحكومة الجديدة أنه سيعمل على إقصاء الجمعيات التي لا تدخل تحت عباءته وتتمرد على سياسته، غير انه تصرف بغير نضج آو مسؤولية وقد اعتقد انه قادر على منح الهبات لطرف ومنعها عن طرف آخر. وحدسنا من المراسلات الكثيرة التي كنا نرسلها له دون ان يلتفت إليها مما يعكس توجهه الذي هو في فج عميق والثقافة المغربية في فج آخر. ولعل سيقول أن الآمر بيد لجان لا دخل له فيها، وذلك قناع تجيد الحكومة اللعب به في مسرحية قديمة ومبتذلة.
إن الدعم السابق، رغم أنه فتات أمام ما يتم توزيعه، كانت الجمعية تعتبره إشارة وانتباه من الحكومة إلى فئة الكتبيين في أفق فتح حوار جدي ومثمر معهم حول الجوانب القانونية والاجتماعية والتغطية الصحية والتأمين وغيرها من التفاصيل التي تصون كرامة هذه المهنة النبيلة والمهددة بالانقراض.
لكن يبدو أننا إزاء حلم من أحلام اليقظة لأن الحكومة الحالة قد نفضت يديها من هذا الملف كما من الثقافة عموما، وهي بذلك تعمل على قبر مشاريع الجمعية على المدى المتوسط والبعيد والقائمة على الانخراط في اقتصاد حقيقي للثقافة يجمع بين المردودية الاقتصادية والتنمية الثقافية والتجديد التربوي والاجتماعي.
إننا لن نلبس لكل لون سياسي لبوسه حتى نحظى بالدعم لان مظلتنا الكبرى هي الوطن وثوابته، ومجال عملنا هو الثقافة وليس التطبيل لهاته الجهة أو تلك، وأهدافنا واضحة ولا تخضع لأجندة غير أجندة تكوين مواطن معتز بهوية ثقافته ومنفتح على ثقافات الآخرين. اما حجتنا في ذلك، فهو عدد المثقفين والمبدعين والباحثين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والمعرفية الذين يجدون في أنشطة الجمعية وتظاهراتها منبرا للتواصل في ما بينهم ومع الجمهور، ولم يسبق في يوم من الأيام أن كان الاختلاف مدعاة لأي خلاف.
وأخيرا نعلن للرأي العام بأن القيمة المادية للدعم لا تهمنا، وأن حجبه عنا فيه خيبة أمل كبيرة وانتقاص من دور الكتبيين المغاربة وتبخيس لعملهم. وليس بتخييب الآمال وتبخيس الأعمال تتطور المجتمعات وتُبنى الأوطان، ويكفي الاطلاع على ما تقوم به الدول التي تحترم التزاماتها وشعوبها لا ان تتعامل معهم كعبيد لا يفقهون.