جيب بوش، ضحية تمرد الكتلة الناخبة الجمهورية ضد المؤسسة الحزبية
بقلم .. عزيز الرامي
اضطر جيب بوش، الذي خاض الحملة الانتخابية للظفر بتزكية الحزب الجمهوري للرئاسيات الأمريكية في نونبر المقبل إلى وضع حد لطموحاته الرئاسية، ليلة السبت، بسبب وقوعه ضحية تمرد قوي للكتلة الناخبة الجمهورية ضد المؤسسة الحزبية.
ويأتي قرار بوش بالانسحاب من السباق نحو البيت الأبيض بعد الهزيمة الساحقة التي تلقاها في الانتخابات التمهيدية في كارولاينا الجنوبية، حيث حل في المرتبة الرابعة، بعد حصوله على دعم 7,9 بالمئة فقط من الجمهوريين في الاستحقاقات التي فاز بها بسهولة المرشح المثير للجدل، دونالد ترامب.
وقد كانت هذه الهزيمة مدوية بشكل خاص نظرا لأنها جاءت في ولاية كان من المفترض أن يحقق فيها فوزا سهلا، والتي كانت قد منحت جورج بوش الأب وجورج بوش الابن انتصارات حاسمة.
ومع ذلك فإن هذا الإخفاق لم يكن مفاجئا لأن بوش راكم الخسائر منذ بداية الانتخابات التمهيدية، بعد احتلاله المركز السادس في أيوا، والرابع في نيو هامبشير والرابع في كارولاينا الجنوبية.
وأمام هذا الفشل، لم يكن أمام بوش سوى التأمل بمرارة في حجم التأخر الذي راكمه في مواجهة منافسيه، الأمر الذي لم يلق له بالا في بداية حملته الانتخابية، بسبب حماسته الزائدة وثقته في تجربته الطويلة، التي تمتد لعقد من الزمن كحاكم لولاية فلوريدا، بالإضافة إلى إرث عائلته السياسي.
وقال جيب بوش، بنبرة مؤثرة بعد الإعلان عن النتائج، إن “الناس بولايات أيوا ونيو هامبشير وكارولاينا الجنوبية عبروا عن رأيهم، وأنا أحترم قرارهم”، مضيفا “لهذا أعلن عن تعليق حملتي هذا المساء”.
وقد حاول جيب بوش الظهور بصورة سياسي يحمل مشروعا منفصلا عن والده وشقيقه، مسلطا الضوء على إنجازاته خلال فترة ولايته كحاكم لولاية فلوريدا، لكن الروابط الأسرية صبت في غير مصلحته.
وكان بوش بالفعل ضحية لتمرد قوي للكتلة الناخبة ضد المؤسسة الحزبية التي يمثلها رغما عنه، وبالإضافة إلى النفور إزاء السياسة الخارجية التي انتهجتها أسرته.
وألقى صناع الرأي العام باللوم على إجاباته المراوغة بشأن ترخيص أخيه، جورج بوش الابن، للحرب ضد العراق رغم غياب معلومات قاطعة حول امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة كيميائية.
ففي البداية، قال جيب بوش إنه سيفعل الشيء ذاته، مما جر عليه انتقادات لاذعة رسخت في أذهان الكثير من الأمريكيين طبيعة الذهاب إلى الحرب، وهو الأمر “المحفور في الحمض النووي لأسرة بوش”، لكنه حاول لاحقا التراجع إلى الوراء بالقول إنه “بناء لما نعرفه اليوم أعتقد بأني كنت اتخذت قرارا مغايرا”، لكن الضرر كان قد وقع أصلا.
وبدأ جيب بوش يتراجع في استطلاعات الرأي منذ خريف 2015، إذ صار التصويت عليه بمثابة استفتاء على سياسات شقيقه، جورج بوش الابن.
وحسب العديد من المحللين، فإن الناخبين يتساءلون: لماذا على الأمريكيين انتخاب رئيس آخر اسمه بوش¿.
وعبر أحد مساعديه، حسب ما نقلت وسائل الإعلام، عن الأسف لكون قواعد الحملة الانتخابية في البلاد تغيرت بشكل جذري السنة الجارية، فقد أصبحت “تركز على بوش، وليس على جيب”.
وإلى جانب عبء الأسرة الذي يثقل كاهله، فإن جيب بوش كان جد ضعيف خلال المناظرات التلفزيونية، إذ كشفت صعوبة إدارة النقاش مع كل الضغوط التي يفرضها على المرشحين والجاهزية التي تتطلبها، النقاب عن قدرته في التعامل مع التوتر وتدبير شؤون القوة العظمى من المكتب البيضاوي.
وقد تم استغلال نقطة الضعف هذه وتضخيمها بشكل مفرط من قبل منافسيه، وخاصة قطب العقارات دونالد ترامب، الذي حاول باستمرار أن يصف بوش بالمرشح “ذو الطاقة المحدودة”. وإلى غاية مساء السبت، كافح الحاكم السابق لولاية فلوريدا من أجل التخلص من اللقب الذي لازمه طيلة حملته التي امتدت لثمانية أشهر.
وحسب خبراء بآلية عمل الحزب الجمهوري، فإن انسحاب جيب بوش من شأنه تحرير عشرات الملايين من الدولارات التي يصرفها المانحون الأسخياء بالحزب، والتي ينبغي أن تتحول إلى مرشحين جمهوريين آخرين للحد من المد الذي يمثله دونالد ترامب.
وسيكون المستفيد الأكبر من هذا الانسحاب سيناتور فلوريدا، ماركو روبيو، الذي احتل المركز الثالث السبت الماضي (21 بالمئة)، والذي يقيم علاقات وثيقة مع العديد من المانحين لبوش، حيث حدده العديد منهم كاختيار ثان.
ويرى المحللون السياسيون، أن انسحاب جيب بوش سيحيي الأمل للدفع إلى واجهة المشهد بمرشح جمهوري “معتدل”، وأخذ زمام المبادرة في حملة بدأت بكثير من الطاقة.