تشكل زيارة الأخوة و العمل التي بدأها الملك محمد السادس،، اليوم الخميس لدولة قطر، محطة بارزة في مسلسل تعميق العلاقة الاستراتيجية بين محور الرباط – الدوحة.
كما تعكس هذه الزيارة الملكية عراقة العلاقة التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين في مختلف المجالات، و كذا الحرص الشديد لدى القيادتين الشابتين في البلدين على التنسيق المستمر في مختلف القضايا الثنائية و الإقليمية والدولية.
ومما لا شك فيه، أن حكمة وتبصر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وأخيه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، تضع حاضر ومستقبل علاقات البلدين الشقيقين في السياق الواعد والمثمر والمعطاء، لاسيما و أن البلدين، قطر والمغرب، ارتباطا على مدى سنوات طويلة بعلاقات أخوة خاصة، اتسمت بالتعبير الصريح عن مواقف التضامن والدعم المتواصلين لقضاياهما الوطنية والأخرى ذات الاهتمام المشترك.
وقد بدا هذا الأمر جليا، خاصة عندما جددت دولة قطر مؤخرا التأكيد على موقفها الداعم والثابت لقضية الصحراء المغربية ومساندتها لمبادرة الحكم الذاتي الجدية والواقعية وذات المصداقية، التي تقدمت بها المملكة المغربية كأساس لأي حل تفاوضي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأعربت دولة قطر أيضا، في محضر اجتماع الدورة السادسة للجنة العليا المشتركة المغربية القطرية التي انعقدت في أبريل الجاري في الدوحة، والذي وقعه كل من الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري، و عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة، عن دعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وعلى صعيد آخر، نوهت قطر، بالدور الذي يقوم به صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل الدفاع عن الوضع القانوني للقدس الشريف و هويتها الحضارية ومكانتها، وكذا بالمشاريع ذات الطابع الانساني والاجتماعي التي تنجزها وكالة بيت مال القدس الشريف، الدراع التنفيذي للجنة، لتثبيت المقدسيين فوق أرضهم ودعم صمودهم، فيما أشاد المغرب بقرار الجانب القطري تخصيص مساهمة مالية قدرها خمسة ملايين دولار لدعم ميزانية الوكالة عبر صندوق قطر للتنمية .
وفي الشأن الليبي، أشادت دولة قطر ، بالمجهودات الدؤوبة والبناءة التي بذلتها المملكة المغربية لتمكين الفرقاء الليبيين من التوصل إلى ”اتفاق الصخيرات ” التاريخي، فيما أشاد الجانب المغربي بالجهود القطرية في دعم ليبيا، و أعربا معا عن الأمل في أن يتم اعتماد الحكومة الليبية وطنيا في أقرب وقت تدعيما لشرعيتها وحفاظا على الأمن و الاستقرار والوحدة الترابية لليبيا.
كما نوه المغرب بجهود ومساعي صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بمعالجة النزاع بين جيبوتي و إريتيريا، مشيدا بالتقدم المحرز على صعيد الإفراج عن مجموعة من الأسرى الجيبوتيين لدى الجانب الاريتيري.
و أعرب المغرب وقطر في أكثر من لقاء ثنائي ومتعدد الاطراف عن دعمهما الكامل للشعب الفلسطيني لنيل كافة حقوقه السياسية المشروعة وتمكينه من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني و عاصمتها القدس الشرقية، وفقا لمبادرة السلام العربية و قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وأدانا بشدة الانتهاكات التي تقترفها سلطات الاحتلال الاسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، مطالبين المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإيقاف هذه الممارسات اللا مشروعة.
و جدد الجانبان مواقفهما الثابتة في الحفاظ على الوحدة الوطنية و الترابية لسوريا، و شددا على أن الحل يبقى رهينا بتحقيق الانتقال السياسي وفق بيان مؤتمر جنيف 1 القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية تحافظ على مؤسسات الدولة السورية وتحقق تطلعات الشعب السوري الى الحرية و التنمية.
و دعا الجانبان القطري و المغربي إلى احترام وحدة العراق وسيادته وسلامته الاقليمية، واكدا على أهمية أن تشمل العملية السياسية في العراق جميع مكوناته على أساس المواطنية والحق والقانون من اجل مواجهة الارهاب بجميع اشكاله، ومواصلة اداء العراق لدوره التاريخي ضممن محيطه العربي و الاقليمي.
وبخصوص الشأن اليمني، أكد الجانبان أن عملية ”اعادة الامل” أتت دفاعا عن الشرعية و لإعادة الامن و الاستقرار الى ربوع هذا البلد ، و الدفاع عن أمن و سلامة دول المنطقة ، و عبرا عن التزامهما الكامل بوحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله ورفض اي تدخل في شؤونه الداخلية ، وشددا على أهمية الحل السياسي وفق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل ومؤتمر الرياض ، و التنفيذ غير المشروط لقرار مجلس الامن رقم 2216 .
و تعكس جملة هذه المواقف المتطابقة تمسك المملكة المغربية ودولة قطر بالعمل العربي المشترك لترسيخ أسس الاستقرار والتنمية الدائمة في المنطقة، وتكريس قيم التعاون والتضامن العربي، بما يتوافق مع احترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، و إيمانها العميق من جهة أخرى بالشراكة الاستراتيجية القائمة بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتطلعهما الى استمرارها تطويرها وتعزيزها.
و في هذا السياق ،كان رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية القطري، قد أكد في افتتاح أشغال الدورة السادسة للجنة العليا المشتركة المغربية القطري في الدوحة على أن العلاقات بين البلدين تتميز بالعمق والاحترام المتبادل و بتقارب وتوافق الرؤى في كثير من القضايا، مبرزا أن الظروف الدقيقة والبالغة الخطورة التي تمر بها المنطقة العربية “تستدعي منا الحفاظ على أعلى درجات التنسيق والتشاور لتعزيز التضامن العربي و التأكيد على دور عربي فاعل و مؤثر في معالجة الاوضاع التي يشهدها المنطقة” .
بدوره، اعتبر السيد بن كيران أن السياق الاقليمي و الدولي الهش خاصة في المنطقة العربية، التي يتسم الوضع فيها بتفاقم الخلافات واشتداد الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الى جانب تنامي التهديدات الإرهابية ” يتطلب منا اعتماد مقاربة تقوم على تغليب منطق الحوار الصريح والبناء والانخراط المسؤول في المبادرات المشتركة الجدية الكفيلة بتمكين الدول العربية من مواجهة مختلف التحديات”.
و الواقع، أن زيارة جلالة الملك لقطر تعكس التقدم والتطور المتواصل للعلاقات المشتركة بين الدوحة والرباط، والتي وصلت إلى مستوى مرموق بفضل الإرادة المشتركة لقائدي البلدين وتوجيهاتهما المستمرة لتذليل كافة العقبات أمام تحقيق التعاون المشترك والارتقاء به إلى مستويات أرحب، فضلا عن التنسيق السياسي في ما يخص القضايا الإقليمية والدولية، وذلك خدمة للمصالح العربية والإسلامية.
عمر الشليح