أمازيغ النيل :واحة سيوة… هنا يقطن 30 ألف أمازيـغي مصري
لا أحد كان يسمع عنها سوى بعض المثقفين ممن اطلع على تاريخ شمال إفريقيا، أو قرأ عنها في كتب المؤرخين، هي سيوة.. واحة أمازيغ مصر، حيث مكنتنا زيارتنا لها من اكتشاف التاريخ العريق لشمال إفريقيا، وأن الأمازيغ ليسوا فقط هؤلاء الذين يقطنون ليبيا أو جنوب تونس أو الجزائر وريف المغرب. «سيوة» هي إحدى أهم المناطق التي لم يكتب للأديب الراحل مولود معمري زيارتها في رحلته الطويلة بحثا عن التاريخ القديم لشمال إفريقيا، تاريخ البربر والأمازيغ.
لم تكن زيارتنا لهذه الواحة الأمازيغية سهلة، فقد كانت محفوفة بالمخاطر خصوصا بعد الإشاعات المتداولة عن خطورة المكان، لكن تحدينا للأوضاع وحبنا لاكتشاف هذا المجتمع الأمازيغي الذي يشبه إلى حد كبير أمازيغ الجزائر والمغرب وغيرهما من دول شمال إفريقيا، جعلنا نتخطى الصعاب ونصل إلى هذه النقطة البعيدة من مصر، مكثنا بواحة الأمازيغ سبع ليال، تقاسمنا فيها لحظات مميزة مع الطيبين من أهلها واستمتعنا بجمال هذه الجنة الواقعة في وسط صحراء مصر.
كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل واثنتي عشرة دقيقة عندما حزمنا حقائبنا متوجهين بعزمنا وفضولنا لاكتشاف مغامرات لا تمنحها لنا إلا جنة الصحراء المصرية «واحة سيوة»، التي راودنا الاعتقاد أن الوصول إليها ضرب من الخيال، بسبب بعدها وتعقيدات السماح ببلوغها، غير أن ذلك تلاشى مع قطعنا لبضعة كيلومترات من الطريق، وخصوصا أن الشائع عن المكان هو ارتباطه باللا أمن بسبب قربه الشديد من الحدود الليبية، وترتيبه كثاني أخطر الأماكن بمصر بعد محافظة سيناء. حصلنا على الرقم اثنى عشر في الحافلة التي تكاد تخلو من المسافرين المتوجهين للواحة التي تقع على مسافة 750 كلم جنوب غرب القاهرة، وقد توقنا في رحلتنا عند الكثير من المحطات لأخذ قسط من الراحة وتناول الأكل لمواصلة الطريق الذي كان شاقا، كان الليل رفيقنا والنجوم والقمر يؤنساننا، وفي الطريق الطويل للرحلة توقفنا في مرسى مطروح، وهي المحطة التي تدل على الاقتراب أكثر من واحة سيوة، وما زاد إصرارانا على دخولها ما يتداول بأن أصول قاطنيها من ليبيا، المغرب والجزائر، وعليه بدأت رحلة أخرى في الصباح الباكر متجهين نحو واحة سيوة من مرسى مطروح التي تبعد عنها بـ 300 كلم، ومن هنا بدأنا نلاحظ كثرة الحواجز العسكرية المنتشرة على طريق مرسى مطروح إلى غاية بوابة واحة سيوة والتي وصل عددها إلى خمسة حواجز، أين كان الأمن العسكري في كل مرة يراقب بطاقات الهوية للركاب ذهابا وإيابا وفي بعض
الأحيان يتم تفتيش الحقائب والسلع الخارجة من سيوة لمكافحة التهريب، وكذا الهجرة غير الشرعية.
«ادخلوا سيوة أمنين….»
دخلنا بوابة واحة سيوة في حدود العاشرة صباحا، كان في انتظارنا بشير أحمد، أحد سكان واحة سيوة، الذي كان معنا في بداية رحلتنا وساعدنا في اكتشافنا لهذه الواحة التي لا يتعدى تعداد سكانها ثلاثين ألف نسمة، فتعرفنا على أهل طيبة وكرم، دينهم الإسلام، وهويتهم الأمازيغية، وهذه الأخيرة سبب جوهري لدخول هذه الأرض التي تمتد إلى المغرب الكبير من خلال الأصول، فهم يتحدثون اللهجة السيوية القريبة جدا إلى اللهجة الشاوية بالجزائر. خلال تجولنا بين شوارع سيوة، كنا كلما أخبرنا أحدا أننا من الجزائر يشدهم البلد، وأول شيء يقال لنا «إنكم أولاد عمنا»، فالكل محب للجزائر، إلى درجة أن هناك من كان يتمنى لقاء جزائريين، فكان الحنين والانجذاب إلى المغرب الكبير، كانوا يتساءلون عن تقاليدنا وعاداتنا وعن اللغة الأمازيغية التي نتشارك معهم فيها، كهوية، كما سأل الكثير عن تدريس اللغة الأمازيغية بالجزائر، أجبناهم أنها تدرس عندنا وتم الاعتراف بها كلغة رسمية بالجزائر مؤخرا، فلمسنا حبهم للغة التي يريدون معرفتها ودراستها.
وما شد انتباهنا طيلة بقائنا في واحة سيوة، أن أهاليها متشبثون بتقاليدهم وعاداتهم وحريصون على لغتهم الأمازيغية المعروفة بسيوية، حيث المرأة المتزوجة لا زالت ترتدي لباسا خاصا يميزها عن المرأة العزباء.
البيت السيوي تراث.. ومحمية سيوة مركز معلومات للزوار
أول مكان قمنا بزيارته كان البيت السيوي، وهو عبارة عن متحف مصنوع من الطين والكرشيف، وسقفه من جذوع النخيل على طراز المنازل السيوية التقليدية الذي لا زال الكثير يحافظ عليه، تضمن البيت السيوي ألبسة تقليدية للنساء والرجال، منها الفساتين العادية والفساتين الخاصة بالزفاف، إضافة إلى احتوائه على صندوق تحضره العروس لبيت زوجها والذي لا يزالون محتفظين به إلى غاية اليوم، جاء المتحف من طابقين وهو يزخر بالصناعات التقليدية اليدوية، كما يحتوي على معرض متنوع في أربع غرف تتضمن المجوهرات، والأدوات الموسيقية والسلال والفخار، إضافة إلى مركز توثيق التراث الذي يترك الزائر يغوص في عمق سيوة انطلاقا من الأفلام الوثائقية التي أنصفت جمالها، بعرض سحرها الطبيعي وجمال فولكلورها.
وبخصوص محمية سيوة، فهي تعد مركزا للزوار موجودة في «وسط شالي»، وهذا المركز المتميز تم تصميمه ليكون نقطة انطلاق الزوار والسياح لاستكشاف واحة سيوة ومحميتها الطبيعية، يحتوي على خرائط كبيرة تظهر الكثير من المعلومات، مبسطة في شكل رسوم.
«قلعة شالي» حصن واحة سيوة قديما
تم بناء حصن شالي بالكرشيف، وهو مادة بناء محلية بسيوة مكونة من الطين والملح والرمل، في القرن الثاني عشر الميلادي على مرتفع داخل حائط محمي، له بوابة واحدة «باب انشال»، ويعني بوابة الدخول، كانت متاهة المباني الطينية التي تكون القلعة مستخدمة لثمانية قرون تقريبا، أضيفت بوابة ثانية «باب اترات» ومدخل في القرن الرابع عشر، وتمت إضافة باب ثالث «باب قدامة» في وقت لاحق، وهي الواحة التي تضم إحدى عشرة قبيلة أطلق عليها اسم شالي من العام 1203، تم نزوح أهالي سيوة من قلعة شالي بعد سيول جارفة بسبب الأمطار عام 1926، أين اضطر سكانها للخروج منها بعدما كان بالقلعة باب يغلق مباشرة بعد غروب الشمس.
يمكن أن يشاهد الزائر أثناء رحلته مدينة سيوة القديمة، التي أخذنا الفضول لزيارتها تسمى، شالي، اسم سيوي يعني المدينة، شكلها من بعيد يوحي بالدخول والمشي ما بين أزقتها، التي تحمل عمق سنين غابرة، وما يزال المتجول يتجه إليها ويعجب بها، ولا زال بها المسجد القديم الذي يعد أقدم مسجد بسيوة، مؤذنه وإمامه الشيخ عبد الله الذي التقينا به في رحلتنا، وهو ضرير ويعد في المسجد خطيبا وإماما ومؤذنا.
حمامات الرمال للعلاج من داء المفاصل بواحة سيوة
تعرف واحة سيوة كمركز مهم لعلاج مرض داء المفاصل، وهذا برمال سيوة، الأمر الذي يعرف بحمامات الرمال، يقصدها الكثير من الأشخاص المرضى بـ «الروماتيزم» من المصريين والأجانب، يبقون تحت الرمال لمدة عشر دقائق إلى ربع ساعة داخل حفرة تجهز صباحا ويدفن فيها الشخص مجردا من كل لباسه، بعدها يتجه مباشرة بعد ستره بغطاء إلى الخيمة، ويشرب فيها سوائل، منها عصير الليمون والحلبة، وشاي الحلبة، وتستمر العملية من ثلاثة إلى سبعة أيام، حسب ما شرحه لنا المسؤول عن مركز محمية سيوة، الأستاذ فتحي مالم.
مدة أسبوع التي قضيناها بسيوة لم نتمكن خلالها من زيارة كل الأماكن المهمة بها، لكننا شاهدنا جزءا ليس بالهين، من ألف ومئتي كلم مربع، فهي الواحة المقسمة من الواحات الغربية وبحر الرمال العظيم، الواحات الشرقية وكذا الواحات والقطارة الغربية، وتنخفض عن المنطقة المحيطة بها بحوالي عشرة أمتار إلى سبعة عشر مترا تحت مستوى البحر، هذا وتقع واحة سيوة في الحافة الشمالية الغربية، ويوجد حولها كثبان رملية هائلة والعديد من الصخريات التي يصل ارتفاعها إلى ثلاثين مترا، فمن الواحات الغربية توجد واحة شياطة وأم الغزلان، وحاطية جربة، ومن الواحات الشرقية يوجد العرج، هذا ويعتبر نقب تبغبغ نقطة إستراتيجية بسيوة.
واحة سيوة معبر للملك أمون.. وجبل الموتى مقبرة لمختلف العصور
يحتوي معبد أمون الذي قصدناه في رحلتنا على رسوم ونقوش وكتابات لا زالت تدل على الفترة التي بني فيها، وهي التي تعود لعصر حكم الملك نكتانبو الثاني، الأسرة الثلاثين من 359 إلى 341 قـ م، وشيد لعبادة أمون، كما أطلق عليه اسم معبد أم عبيدة، ولازالت توجد به بقايا أعمدة تتضمن بعض العناصر المعمارية تعود إلى العصور الفرعونية واليونانية وكذا الرومانية، والتي تعرضت للهدم بسبب العوامل البشرية والمناخية.
أما جبل الموتى فيقع شمال وسط المدينة، ويحتوي على الكثير من المقابر المنحوتة، ويرجع للعصور الفرعونية واليونانية وكذا الرومانية، ويعتبر الجبل، المقبرة الرئيسية لسيوة القديمة، تحتوي على المئات من المقابر المنحوتة في الصخر، أربع منها ما زالت تحتفظ بألوانها، حيث تعرف المقابر باسم سي أمون، وتحتوي على مقابر ميسو ايزيس، باتحوت، والتمساح.
هضبة أغورمي معبد للتنبؤات وقاعة لتتويج الأسكندر
اشتهرت واحة سيوة بقرية أغورمي التي تحتوي معبد تنبؤات أو قاعة تتويج الإسكندر، ويطلق عليه أيضا معبد وحي أمون، وترجع أطلاله الأثرية إلى العصر الفرعوني من الأسرة 26 من 663 إلى 525 قـ م، ومن أسباب تميز المعبد تاريخيا، زيارة الإسكندر الأكبر له في العام 331 قـ م، به سلالم تؤدي بنا إلى ممر به بئر يقال عنه إنه يؤدي إلى القلعة المهجورة، حيث نشاهد من بعيد معبد التنبؤات الذي يحتوي على رسوم ونقوش على الجدار الأيسر للمعبد، ويقال إن المعبد بني أثناء حكم الفرعون أحمس الثاني، الأسرة السادسة والعشرين، ما يزال به مسجد يعود للعصر الإسلامي، ما يدل على أن سكان سيوة سكنوه قبل أن يحول إلى متحف مفتوح على الطبيعة.
وقبل شد الرحال كان من الضروري الحصول على تصريح من المخابرات المصرية لعبور بوابة الصحراء بسيوة نظرا لانتشار الجيش على حدودها لحماية البلد ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وبرفقة الشاب حمادي محمد منظم الرحلة وأحمد المصري سائق سيارة رباعية الدفع، وصلنا إلى نقطة تفصلنا عن الحدود بأقل من ساعتين، فواحة سيوة حقيقة تعد جنة على الأرض لتوفرها على واحات للنخيل ومنطقة البحيرة الباردة، وبئر واحد تصبح فيه الحرارة سبعا وثلاثين درجة مئوية، محاط هو الآخر بالنخيل والشجر، يستخدمه أهل سيوة والسياح للاستحمام في البحيرة الباردة في فصل الصيف.
صحراء سيوة حسب ما نقلته الأبحاث كانت بأسرها عبارة عن قاع لبحر قديم، فمنذ 25 مليون إلى 35 مليون سنة مضت كان ماء البحر يغطي سطح الأرض، وكانت مصر مغطاة حينها ببحر التيتس العتيق، وقد تم اكتشاف الكثير من الحفريات البحرية للعديد من الكائنات الحية التي ترجع إلى تلك الحقب الجيولوجية، وتم بمنطقة تبغبغ التابعة لواحة سيوة بالقطاع الشرقي اكتشاف بقايا لحوت باسيلوسورس، وقد يكون الأكبر في العالم.
جبل الدكرور مكان للاحتفال بعيد الحصاد والسياحة
يقام في جبل الدكرور وبالضبط في طرفه الشمالي، احتفال سنوي للتصالح، ويسمى أيضا عيد الحصاد والسياحة، ويستمر لثلاثة أيام في ليالي اكتمال القمر من شهر أكتوبر كل عام، يضم على طرفه بيوتا متنوعة، منها ما يخصص للذبح والطبخ وتقديم الأكل، وحتى أماكن للضيوف، وكذا بيوتا صغيرة لبقاء السيويين البعيدين عن الجبل فيها لمدة ثلاثة أيام، ويعرف ببرجه الذي يعلوه علم أخضر يصعد فيه أحدهم لإعطاء إشارة الأكل، لينادي بأعلى صوته «واعلام».
يرجع هذا الاحتفال حسب ما روى لنا أحد شباب سيوة، المدعو حمايد محمد، أنه كان هناك مشكل بين الغربيين والشرقيين في سيوة، واجتمع على إثر ذلك شيوخ القبيلة لعقد الصلح فيما بينهم، واختاروا مكانا محايدا لهم، فكان جبل الدكرور مقاما للأكل والشرب، فضلا عن مدح رسول الله بطريقة صوفية، لتصبح عادة ترسخت لدى أهل سيوة، ويقام ذلك بجبل الدكرور الذي يقع في منطقة مكونة من جبال مليئة بالكهوف في وسط واحة سيوة.
الشيخ عبد الرحمن ديميري: «إن تركنا اللغة الأمازيغية نكون قد تخلينا عن هويتنا»
قامت «المحور اليومي» بزيارة الشيخ ديميري من قبيلة الزناين التي يحكمها مع الشيخ فتحي، الذي استضافنا وفتح لنا قلبه قبل بيته، وتحدث إلينا بكل فخر عن قبيلة الزناين التي تعد من أكبر قبائل «سيوة»، حيث تضم إحدى عشرة قبيلة، لا زالت كلها متمسكة بأصولها من عادات وتقاليد تعتبرها موروثا من الآباء والأجداد، مضيفا «واحة سيوة تعد بلدا زراعيا منتجا تحيط به المياه والجبال من كل مكان، فهي مجتمع مستقر يعمل في التجارة والزراعة».
وحول قضية اللغة الأمازيغية التي بدا من حديثهم عنها تأثرهم بالتجربة الجزائرية وترسيمها مؤخر،ا فقد اختصر كلامه قائلا: «اللغة الأمازيغية من التراث الذي لابد من المحافظة عليه، وإن تركنا اللغة الأمازيغية نكون قد تخلينا عن هويتنا، واللهجة السيوية لا زالت فينا وتعد من أصولنا». مشيرا إلى أن القبيلة تتبع نظام الشورى، فالشرطة لا تتدخل لحل مشاكلهم، وإنما يحكمها شيوخ وأعضاء المجلس الشوري الذي يضم ثلاثين عضوا من كل قبيلة، يجلسو ويطرحون القضايا ويحكمها في الأخير القرار الجماعي، وأكد الشيخ ديميري أن كل القرارات والأحكام لابد من العودة فيها إلى القبيلة التي يحكمها شيخها، وبخصوص العادات والتقاليد فقد قال إنها لا زالت قائمة سواء في الأفراح أو الأحزان، «لا زالت سيوة تمتاز بطبية أهلها ومساعدتهم لبعض، فإن حدث حريق في أي مكان بسيوة كل من يسمع به يركض لإطفائه ولا يهمه بيت من أو قبيلة من، فنظام المساعدة لايزال بين أهل سيوة». وبشأن الماء وسر تواجده في كل مكان بواحة سيوة، حدثنا الشيخ عبد الرحمن أنها أرض زراعية طيبة، فيها عيون متفجرة طبيعية وأهلها يعيشون على الزراعة والماء.
الشيخ عمر راجح: «أهالي واحة سيوة من قبائل الشاوية بشمال إفريقيا»
التقينا صدفة مع الشيخ عمر راجح شيخ قبيلة أولاد موسى، وقد تحدث هو الآخر عن بعض الجوانب التاريخية التي ترجع إلى أيام الفراعنة والرومان، وقال إنه مع نهاية العصر الروماني انقرضت البشرية من هذه الواحة بسبب مرض الطاعون الذي قضى على كل الأهالي، ويرجح أنه كان مع بداية ظهور المسيح، ومع الفتوحات الإسلامية لم يكن أحد قد فتحها، وبفتحها أصبحت محطة عبور للحجاج من المغرب العربي مرورا إلى المشرق العربي، ولما حدث الجفاف في شمال إفريقيا نزحت قبائل منهم إلى واحة سيوة حيث عرفهم بها الحجاج الذين مروا منها، قائلين لهم إن هناك واحة بها ماء وحياة، ويقال كذلك أن القبائل التي هجرت من شمال إفريقيا إلى واحة سيوة، هي من أمازيغ قبائل الشاوية، لكنها تعرضت للاعتداءات، ولحماية نفسها قامت ببناء قلعة شالي، وبها باب يفتح عند الشروق ويغلق ساعة غروب الشمس. كما حدثنا الشيخ عمر راجح عن زيارته مؤخرا للجزائر، حيث قال «حضرت مؤخرا مهرجان الفيلم الأمازيغي بتيزي وزو مع مخرجين من مصر، في طبعته الرابعة عشرة، واستقبلنا أحسن استقبال وبمحبة وحرارة، كما اعتبرونا ضيوف شرف المهرجان، حتى أنني تقدمت لإلقاء الكلمة الافتتاحية باللهجة السيوية، وفهمني الكثير من أمازيغ الجزائر، وتم إهدائي البرنوس الجزائري، ولا أخفى أنني قضيت أسبوعا بالجزائر عزمت من خلاله التعريف بأمازيغ مصر للعديد من وسائل الإعلام بالجزائر».
«أنا ماريا» برازيلية تترك بلدها وستسقر بواحة سيوة
من الظواهر العجيبة التي لا تحدث إلا في «سيوة» أن الأجانب حين يزورونها يعودون مرة أخرى، فمن يجد تلك الجنة وسط الصحراء أكيد أنه قد يقرر حتى الإقامة بها، وهذا ما فعله الكثير منهم من دول كندا وفرنسا وبريطانيا، حيث استقر العديد منهم فيها حتى أنهم قاموا ببناء منازل على طزيقة السيويين، من الطين والكرشيف، في منطقة «شالي» التي تعتبر المدينة القديمة لسيوة، ومن الأشخاص الذين أثاروا اهتمامنا، كانت السيدة «أنا ماريا» البرازيلية التي استقرت بواحة سيوة منذ سنتين وتشاركت مع أحدهم في فتح محلها الخاص الذي تقدم فيه أطعمة متنوعة من الأكلات التقليدية السيوية والبرازلية، واستضافتنا هي الأخرى في محلها ورحبت بنا، وتحدثت عن سبب استقرارها والذي أرجعته إلى هدوء المكان، والطيبة التي يمتاز بها أهل سيوة. واصلت «أنا البرازيلية»، وهي أم لأربع بنات حديثها للمحور قائلة: «جئت في زيارة سياحية منذ سبعة عشرة سنة، وحينها قررت الاستقرار بمصر بشكل نهائي وفضلت البقاء في واحة سيوة منذ سنتين»، وحين سألناها عن أهل سيوة لم تفكر طويلا في الإجابة، حيث قالت «أهل سيوة طيبون معي كثيرا، وأشعر بالأمان بينهم، وهو الشعور الذي لا يمكن أن نجده في القاهرة أو الإسكندرية، أسعى لمعاملة كل الناس بصدق وبطيبة ومحبة، وأحاول بما أستطيع أن أقدم لهم كل ما أعرف وأساعدهم على التقدم أكثر مما هم عليه.»
جزيرة فطناس مكان ساحر لغروب الشمس
تعد جزيرة فطناس هي الأخرى من الأماكن التي تستقطب السياح، حيث تقع على حافة بحيرة مالحة، وصارت حاليا شبه جزيرة محاطة بالنخيل، ولعل أجمل شيء فيها منظر غروب الشمس. التقينا بعين فطناس بالشيخ عمران مطعم وقد أخبرنا بأن أغلب سكان واحة «سيوة» حاليا من الشاوية الذين نزحوا إليها منذ حوالي 700 سنة، أصولهم من المغرب العربي وبالخصوص من المغرب والجزائر.
عمي عمران ونحن نتجاذب أطراف الحديث معه، عرفنا أنه حكواتي متميز ينهل من عادات وتقاليد وتاريخ سيوة باللهجة السيوية، وعرفنا أن الحكاية تقال باللهجة السيوية «تانفاست»، له مقهى بعين فطناس يقدم فيه الشاي والعصير للزوار، والتقينا عنده بسياح من الإسكندرية جاؤوا لزيارة فطناس للاستمتاع بمشهد الغروب وأغلبهم السبب الرئيسي لزيارتهم، أصولهم التي تنحدر من أمازيغ المغرب الكبير. تركنا الغروب بجزيرة فطناس وودعنا أهل سيوة الذين كانوا مضيافين معنا، وودعنا صحراءها ونخيلها، وعيونها وبحيرتها، ودّعنا واحة سيوة تاركين قلوبنا هناك في ذلك المكان الذي يسحر الزائر، ويسحر من يتجول بين أزقة شالي القديمة، بعد أن زرناها مسحورين بحنين الهوية الأمازيغية التي نتقاسمها.